د.عبد العلي حامي الدين
منذ 1993 اعتمدت الأمم المتحدة يوم 3 ايار/مايو يوما عالميا للصحافة، وهي مناسبة تتجدد خلالها المطالب بضرورة التزام الحكومات بحرية التعبير والصحافة باعتبارهما من الحقوق الأساسية، ومن مستلزمات الدولة الديمقراطية الحديثة.
اليوم العالمي للصحافة هو مناسبة للوقوف عند واقع الإعلام العربي ومدى التزام الحكومات العربية بحرية الصحافة ومدى التزام رجال ونساء الإعلام بأخلاقيات المهنة..
هي مناسبة أيضا لتكريم الصحافيين المهنيين الذين كان لهم عطاء استثنائي، والترحم على أرواح الصحافيين الذين سقطوا في الميادين بنيران من يقفون في وجه الحقيقة، والمطالبة بإطلاق سراح الصحافيين المعتقلين وأبرزهم الصحافيون المعتقلون في سجون مصر في عهد الانقلاب العسكري..
منظمة فريدوم هاوس قالت إن حرية الصحافة في العالم تراجعت إلى أدنى مستوياتها في 2013، وصنفت 197 دولة حول العالم ما بين ‘حرة’ و’حرة جزئيا’ و’غير حرة’..
ووفق تقرير للمنظمة، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، تصدرت موريتانيا الدول العربية في حرية الصحافة، بحلولها في الترتيب الـ95 ضمن الدول ‘الحرة جزئيا’، تلتها أربع دول وقعت أيضا في تصنيف الدول ‘الحرة جزئيا’، وهي: تونس (الرتبة 112) ولبنان (112) والجزائر (127) والكويت (127).
فيما صنفت 15 دولة عربية كـ’دول غير حرة’، بحسب تقرير المنظمة، وهي: ليبيا (134)، المغرب (147)، قطر (152)، مصر (155)، الأردن (155)، العراق (157)، عمان (161)، جيبوتي (164)، الإمارات (167)، اليمن (167)، السودان (176)، الصومال (179)، السعودية (181)، البحرين (188)، سوريا (189).
ولم تدخل دولتان عربيتان التصنيف وهما جزر القمر وفلسطين. وبصفة عامة، أحصت منظمة فريدوم هاوس 63 دولة ‘حرة’ و68 ‘حرة جزئيا’ و66 ‘غير حرة’، من أصل 197 دولة خضعت للدراسة.
وحلت هولندا والنرويج والسويد في المرتبة الأولى بالنسبة لحرية الإعلام، أما كوريا الشمالية (197) فاحتلت المرتبة الأخيرة وراء تركمانستان (195) وأوزبكستان (195).
وأظهر تقرير فريدوم هاوس، التي تجري تحقيقات سنوية منذ عام 1980 في هذا المجال، أن 14′ من السكان في العالم فقط يصلون الى صحافة ‘حرة’، أي شخص واحد من أصل سبعة.
ولفت التقرير إلى أن 44′ من سكان العالم يعيشون في مناطق لا تتمتع فيها الصحافة بـ’الحرية’ و42′ في مناطق تتمتع فيها وسائل الإعلام بـ ‘حرية جزئية’.
في المغرب، لا أحد ينكر التقدم الملموس في حرية الصحافة، وهناك تساؤلات مشروعة حول المعايير المعتمدة في تصنيفات فريدوم هاوس، لكن مع ذلك ينبغي الاعتراف بأن هناك اختلالات بنيوية في الإعلام المغربي.
فالإعلام المرئي لا تتحكم فيه الحكومة ولا يمكن اتهام وزير الاتصال بأنه يحد من حرية التلفزيون المغربي، ولكن القنوات التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تبقى من القلاع المحصنة التي لم تنخرط بعد في دينامية التحول الديمقراطي، وتطغى عليها وجهة نظر رسمية في تعاطيها مع المادة الخبرية، أما الصحافة المكتوبة فيظهر بأن معظمها رهينة في يد المال والأعمال وهو بدوره خارج مجال تحكم السلطة التنفيذية في شقها الحكومي..
بدون شك، أن من الأسباب التي تجعل الإعلام العربي عموما يحتل مرتبة متأخرة في الترتيب العالمي هو غياب الاستقلالية لدى العديد من المؤسسات الصحافية، وهو ما يعني أن دورها في معظم الأحيان يكون مرتبطا بمواقف السلطات الرسمية أو بجماعات المصالح التي تسهر على تمويل المقاولات الصحافية مقابل الالتزام بأجندة سياسية معينة.
من الأسباب أيضا تخلف البيئة القانونية لاشتغال المقاولات الصحافية ولاشتغال الصحافيين وهو ما يدعو إلى تطوير القوانين المرتبطة بالصحافة والنشر بما يسهم في صيانة حرية الصحافة وتعزيزها وتوفير الضمانات القانونية لحمايتها.
في مراحل الانتقال الديمقراطي تبدو مهمة الصحافة مهمة أساسية لأنها معنية بضرورة الإسهام، في حدود وظيفتها الإعلامية، في إشاعة الفكر النقدي الحر وفي تحطيم نزعات القابلية للاستبداد وثقافة الخوف من السلطة وفي الكشف عن مظاهر الفساد والرشوة والتلاعب بالمال العام وتحليل أسبابه العميقة واقتراح البدائل الممكنة للإصلاح.
طبعا لا بد من التمييز في هذا الإطار بين الرأي والخبر فحرية الرأي تبدو أوسع من نقل الأخبار وتتمتع بهامش واسع مادام الصحافي يعبر عن آرائه وخواطره ولا يحده إلا القانون الجاري به العمل ، بينما تستلزم الوظيفة الإخبارية للإعلام التقيد بالحقيقة عندما تنقل أخبارا ومعطيات محددة ، خاصة عندما ترتبط هذه الأخبار بسياسات عمومية ويكون لهذه الأخبار أثر معين على حقوق ومصالح معينة، أو عندما تقترب من الحياة الخاصة للأفراد.
للأسف الكبير، نجحت بعض الدوائر المالية في تطويع عدد من الصحف والمنابر الإعلامية واستطاعت أن تحرفها عن وظائفها الأساسية، فتحولت من منابر إعلامية إلى أبواق للدعاية الرخيصة ونشر الأكاذيب وتسطيح الوعي السياسي للمواطن بالأساليب الشعبوية المنحطة، وهكذا أصبحت بعض المواد الإعلامية للقنوات المصرية على سبيل المثال تدرس لطلبة المعاهد العليا في الصحافة كنماذج سيئة لا يحسن الاقتداء بها في العمل الصحافي.
إن الحق في الإعلام يستند إلى حق القراء في الخبر وحقهم في معرفة الأخبار المرتبطة بالسياسات العامة المنتهجة من قبل الدولة في مختلف المجالات، ومن واجب الدولة أن تلتزم بحماية الحق في حرية التعبير وحق الصحافي في الوصول إلى المعلومة وحماية التعددية الإعلامية بما ينسجم مع مستلزمات الحرية والديمقراطية والمسؤولية.
الصحافة الحرة أداة أساسية لتطوير النقاش السياسي في المجتمعات الديموقراطية، وليس من الضروري أن تلتزم الصحافة الحياد في جميع القضايا، بل من واجبها أن تكون متحيزة لمقاومة الفساد ولنشر قيم الديمقراطية وترسيخ ثقافة احترام حقوق الإنسان والإيمان بالتعددية والقبول بالآخر ونبذ روح الإقصاء والتعصب للرأي والتعريف بالظواهر السياسية والاجتماعية الموجودة وتحليلها.
المشهد الإعلامي يحتاج إلى الكثير من النضج قصد الإعلاء من قيمة المهنة وتعزيز مكانتها في وسط مازال يتلمس طريقه نحو الديموقراطية، ولذلك حينما تتخصص بعض الجرائد وبعض الأقلام في تزييف الحقائق أو افتعال وقائع غير موجودة أصلا، فإنها تسهم في تعميق أزمة الديمقراطية في البلدان العربية، وتزيد في خلق الالتباس والغموض لدى المواطن..
النقاش الحقيقي الذي ينبغي أن يطرح اليوم هو: كيف تستطيع الصحافة الحرة أن تحافظ على مصداقيتها وتحرص على ضمان الحد الأدنى من الاستقلالية والجرأة، احتراما لحق المواطن في إعلام ذي مصداقية، وكيف تستطيع أن تنخرط إيجابيا في مرحلة سياسية عنوانها الكبير هو: إسقاط الفساد والاستبداد.
القدس العربي
‘ كاتب من المغرب

حول الموقع

سام برس