عمر النميم
ترجع البداية الأولى للتعليم الفني والتدريب المهني في اليمن إلى مطلع الخمسينيات عند إنشاء المعهد الفني بالمعلا، إلا أن التوسع لم يبدأ إلا منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي الذي تزامن مع البداية الحقيقية للتوجه نحو بناء خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن. ولم يتبلور الاهتمام بهذا النوع من التعليم في إطار مؤسسي موحد وتحت مظلة قانونية وإدارية ومالية واحدة ، حيث شهد خلال مراحل تطوره تشتت تبعيته بين عدة جهات إشرافية ، وفي عام 2001م أنشئت وزارة التعليم الفني والتدريب المهني لتجمع شتات تلك الجهود تحت تنظيم وإدارة واحدة .
ويشير المجلس الأعلى لتخطيط التعليم إلى أنه وعلى الرغم من تنفيذ بعض من المشاريع الإستراتيجية إلا أن سير التنفيذ رافقته جوانب سلبية أدت إلى تراجع النتائج المرجوة منه. إذ اتسم التعليم الفني والتدريب المهني في هذه الفترة بعدة سمات من أهمها ، ضعف القدرة الاستيعابية والتحيز للذكور دون الإناث ، وتركز معظم مؤسسات التعليم الفني والتدريب المهني في الحضر على حساب الريف ، وقلة المخصصات المالية الموجهة للتأهيل والتدريب في الموازنات العامة المتعاقبة ، والاستيعاب البطيء للتطورات التقنية وثورة المعلومات ، وحداثة التعليم الفني والتدريب المهني الأهلي ، وغياب الإشراف عليه، فضلا عن نمطية البرامج القائمة وضعف التنوع والتجديد ، وتدني كفاءة التخطيط للمواءمة بين نسقي التعليم والعمل ، وأيضا غياب معايير وشروط الاعتماد والآليات المتبعة في مصادقة الشهادات ومنح التراخيص وتجديدها للمعاهد الأهلية بما يضمن حداً مقبولاً لنوعية الخدمات التعليمية ، وغياب المناهج وتقليدية طرق التدريس التي مازالت تعتمد على تغليب الجانب المعرفي النظري على الجانب المهاري ، وتكريس الحفظ والتلقين الذي أوجد فجوة بين مخرجات التعليم الفني والتدريب المهني واحتياجات التنمية وسوق العمل وأسباب أخرى عديدة .
خطوات متسارعة
هذا الوضع غير المواتي للتنمية يتطلب كما يؤكد خبراء التعليم اتخاذ خطوات متسارعة لتقوية وتفعيل هذا النوع من التعليم ، وبما يمكنه من التكامل بين مستوياته وأنواعه وبما لا يكرر ما هو قائم والانتقال به من حالة الركود إلى حالة الحركة بما يتيح للشباب المتطلع خيارات رحبة لتجديد مداركهم المواكبة لمقتضيات العصر المتصف بالتحولات .
ويقول كتاب المجلس الأعلى لتخطيط التعليم أنه مع بداية العام الثاني من إقرار الاستراتيجية الوطنية للتعليم الفني والتدريب المهني 2005-2014م التي شكلت منطلق العمل نحو التغيير الإيجابي الهادف والمخطط ، تم استكمال إجراءات المناقصات ل(40) معهداً منها (19) معهداً بتمويل الصندوق السعودي للتنمية ، يتوزعون على المستوى المهني والتقني ، بالإضافة إلى معهد البوليتكنيك في أمانة العاصمة والذي يتوقع الانتهاء من أعمال التشييد والبناء فيه في يوليو 2007 ، وهذه الخطوات شكلت البداية لتدشين البرنامج التنفيذي للاستراتيجية التي احتوت على (219) معهداً يتوزعون بين (137) معهداً مهنياً ، و (82) معهداً تقنياً، والذي يوحي بأن الدول المانحة ومؤسسات التمويل سيتجهون بتمويل عدد غير قليل من المعاهد المتخصصة طالما وأن الاستراتيجية قد وفرت إطاراً مدروساً وواضحاً للاحتياجات المطلوبة نحو رفع الطاقة الاستيعابية لتصل إلى (15%) من مخرجات مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي ، وتجدر الإشارة إلى أن القطاع الخاص لازال دوره لم يتبلور بعد ، نتيجة لمحدودية مساحات التعاون معه والتي لا تساعد في الوصول إلى مستوى أفضل من التنسيق والشراكة وربما يعود ذلك إلى قصور وتدني فاعلية صندوق التدريب المهني وتطوير المهارات الذي يعاني من قصور في الكوادر المؤهلة والقادرة على العطاء والتجديد والمواكبة لتحديث التطورات في حقل العمل .
إختلالات
ويرصد المجلس الأعلى لتخطيط التعليم لإختلالات في تنظيم هيئات التعليم الفني حيث لم يصاحب هذا التطور إجراءات إدارية وتنظيمية تشرف وتوجه وتقٌوم الأداء بعد منح التراخيص ، الأمر الذي عكس نفسه على ضعف الأداء للعاملين بالمواقع الإشرافية ، وعدم الاهتمام بالبيانات والمعلومات التي تشكل السند الأساسي لعملية التخطيط وتعين القيادة الإدارية في بناء قراراتهم بصورة سليمة ، مما نتج عن ذلك الكثير من الاختلالات منها اختلال التوازن لخدمات التعليم الفني والتدريب المهني بين الريف والحضر وبين الذكور والإناث ، واختلال التوازن بين مدخلات التعليم المهني والتعليم الثانوي من ناحية ، والتعليم التقني والتعليم الجامعي من ناحية ثانية ، وضعف الثقة بالبيانات المتوافرة عن التعليم الفني والتدريب المهني مع الغياب الكلي لمؤشرات التعليم الفني الأهلي ، فضلا عن غلبة الدراسات النظرية على التطبيقية الذي أدى إلى ضعف الكفاءة الخارجية وعدم الثقة بمخرجاته ، والتركيز على عدد من التخصصات وغياب تخصصات أخرى ذات أهمية وأولوية ، وعدم مراعاة الميول والاستعدادات للطلاب عند توزيعهم على التخصصات في القبول ، وكذلك الوفرة النسبية لمدرسي المواد النظرية مع قلة المدرسين للمواد التطبيقية وتدني مستوى تأهيلهم واختلال التوازن بين مخرجات التعليم الجامعي والتعليم الفني والتقني الذي أدى إلى قلب هرم القوى العاملة لصالح التعليم الجامعي .
إحصاءات
وتشير بيانات الطلاب الملتحقين بالتعليم الفني والتدريب المهني إلى ارتفاع عدد الملتحقين به من (6563) عام 2000/2001م يتوزعون بحسب النوع إلى (6503) ذكور و(60) إناث ، ليصلوا في عام 2004/2005م إلى (17320) طالباً وطالبة منهم (15514) ذكور و (1806) إناث بزيادة صافية (10757) طالباً وطالبة .
وتؤكد الإحصاءات أنه على الرغم من الزيادة المتنامية في إعداد الملتحقين في المستويين المهني والتقني عام 2004/2005م إلا أن مستوى التمثيل لكل منهما مازال ضعيفاً قياساً بالملتحقين في التعليم الثانوي العام والتعليم الجامعي ، حيث مثل التعليم المهني ما يوازي (1.7%) من إجمالي الملتحقين بالتعليم الثانوي ، ورغم تواضع هذه النسبة إلا أنها تنخفض عند قياسها على مستوى النوع لتصل إلى (2.3%) ذكور و(0.3%) إناث .
كما شهد التعليم التقني نمواً موازياً في عدد الملتحقين وصل عددهم إلى (7,271) طالب وطالبة، شكلوا ما نسبته (4.2 %) من إجمالي الملتحقين بالتعليم الجامعي منهم (4.8 %) ذكور، و (2.7%) إناث للعام نفسه . وهذا يوضح حجم فجوة الالتحاق بين التعليم التقني والتعليم الجامعي والجهد المطلوب تعبئته لخلق توازن مقبول في الفترة القادمة.
وتعكس ضآلة تمثيل الإناث في التعليم المهني والتقني معا عدم التوازن في النوع ، الأمر الذي يتطلب تذليل المعوقات الإجتماعية التي تحول دون الارتقاء بمستوى إدماج الإناث بهذا التعليم والتوسع في التخصصات الملائمة لبنيتها الأنثوية مثل: الصناعات " الالكترونية " وتقنية المعلومات والاتصالات والحاسوب .... وغيرها من التخصصات الحديثة التي تستند إليها احتياجات سوق العمل ، ومعالجة ظاهرة النقص في مشاركة المرأة في التنمية الشاملة وفق القيم والثقافة السائدة.
ولاحظ الكتاب تزايد أعداد الملتحقين في التعليم المهني الصناعي والتعليم الثانوي التجاري والتعليم التقني إلا أن التعليم الزراعي الذي غالباً ما يصاحب النشاط الصناعي ويتداخل مع نشاطات أخرى، مازالت برامجه تقليدية دون تجديد ، مما أفقد علاقته بسوق العمل وعزوف الطلاب من الالتحاق به. ويرصد الكتاب لأسباب الزيادة الملحوظة في أعداد الملتحقين بالتعليم الفني والتدريب المهني لعام 2004/2005م ، ومنها دخول كليات المجتمع تحت إشراف وزارة التعليم الفني والتدريب المهني عوضاً عن تبعيتها لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، وإعادة نشاط المعهد التقني التجاري في خور مكسر محافظة عدن الذي توقف القبول به مؤقتاً في المستوى التقني ، وتحويل تبعية المعاهد المهنية التجارية نظام ثلاث سنوات بعد التعليم الأساسي من إشراف وزارة التربية والتعليم إلى وزارة التعليم الفني والتدريب المهني ، وإعادة تأهيل وتجهيز المعهد التقني الزراعي في صبر محافظة لحج وإعادته إلى الخدمة بعد فترة توقف دامت عدة سنوات.
ويلفت خبراء التعليم إلى قضية جوهرية في التعليم الفني حيث يؤكدون أنه إذا ما أخذ في الإعتبار عدد المعاهد والكليات الحالية دون تكرار لمسمياتها فإنها لم تتجاوز (55) معهداً وكلية مجتمع ، وهذا التكرار كان نتاج تشغيل المعهد في أكثر من مجال في وقت واحد دون اعتبار المعهد كمؤسسة قائمة بذاتها ، مع تغير مجال برامج التدريب والتأهيل الذي ضخم عدد المعاهد من الناحية الاسمية دون الفعلية . مع العلم أن هناك عدد (6) محافظات هي (البيضاء ، الجوف ، شبوة ، صعدة ، صنعاء ، المهرة) مازالت محرومة من خدمات التعليم الفني والتدريب المهني حتى اليوم ، ناهيك عن وجود (4) محافظات (المحويت ، مأرب ، الضالع ، ريمه) لا يوجد في كل منها سوى معهد واحد فقط نظام سنتين بعد التعليم الأساسي ، ولم تُهيأ تلك المعاهد بالمستوى نفسه التي تحظى بها معاهد أمانة العاصمة أو عدن بالإضافة إلى تدني مستوى تأهيل هيئات التدريس وقصور التجهيزات ومستلزمات العملية التعليمية والتدريبية.

حول الموقع

سام برس