خالد الرويشان

لديّ مايُشبهُ اليقين، أنّ مشكلة اليمن الاساسية مشكلةٌ إداريةٌ بالدرجة الأولى.بمعنى أنها أزمةٌ إدارة لا ازمة هويّة، وأزمة دولة لا ازمة وطن، وأزمة نُخَبٍ لا أزمة شعب، وقد أصبحت هذه الأزمه وبعد سنوات من التجهيل والإهمال والفساد أزمة وعي وفهم بفعل الظلام المستمر، والضرب الدائم لمراكز الإحساس والحواس للبلاد بأكملها!حتى تبلّدت العقول وتكلّست، وتهاوت العزائم وتكسّرت!فلا حُلم لجماعة، ولاتَوَقُد في زعامة، ولاتحليق في مستقبل.. ولاحماس لأيّة قضيّة كبيرة أوصغيرة.. الكلّ قانطٌ وحانق!غاضبٌ وعاتب ولا يرى أبعد من قدميه،.. ومعظم هؤلاء القانطين الحانقين مشاركون في السّلطة بطريقة أو بأخرى، منذ ما يزيد عن أربعين عاماً على الأقل! وبعضهم مايزال يقتطع من لحم الوطن الذاوي الهامد إلاّ من عِرْقٍ وحيد ينبض، أو شِريانٍ يختلج بالحياة بين فينةٍ وأٌخرى،.. وإذا كان العِرْقُ الوحيد هو النفط، والشريان هو الكهرباء فلك أن تعرف خطورة معركة النفط، والحرب على الكهرباء!.. لأن الهدف، أن يتوقـف القلبُ المتعَب، أو أن يُشَلّ بذبحةٍ حتى يمكن سَحْبُ الجسد إلى القَرن الثالث الهجري, جثةً بلا رأس، أي بلاعقل أو عينين.. أو بمعنى أدق بلا وعي أو فهم!
أزمتنا إدارية وليس أدلّ على ذلك من تعامل الدولة مع مجرمي ضرب الكهرباء، ومفجّري أنابيب النفط،.. أو المسلسل الظريف لاستيراد مولّدات الكهرباء بالتوازي مع ضرب الأبراج! أو المسلسل الأظرف الخاص بمنع الدراجات النارية والسماح بها بعد ذلك، ثم منعها مرةً أخرى ثم السماح بها! أو تأمّل معي مأساة السموم في اليمن والتي جعلت الملايين من المواطنين مجرّد كائنات مريضة على نقّالات إسعافٍ عاجلة إلى الدول المجاورة وعبر طائراتٍ ناقلةٍ كل يوم.. أو تأمل تخطيط المدن العشوائي، أو تذكّر قِطَطَ وفئران النفط والغاز! أو نهب وتوزيع مخازن السلاح..
حتى القضايا البسيطة مثل مطبّات الطّرُق التي غدت مشكلة مؤرّقة لكل صاحب سيارة وعلى طول الطّرُق بين المحافظات حتى أصبحت البلاد مجرد مطب كبير! فكل بائع بطاطس أو قات، أو صاحب محطة بنزين أو دكان، أو حتى قاطع طريق، يستطيع أن ينشئ مطبّاً خاصاً به! بينما تستورد البلاد وبالعملة الصّعبة قطع غيار السيارات المنكوبة بحواجز المطبّات!
أليس كل هذه قضايا إدارية بالدرجة الأولى، ويمكن معالجتها بالعزم والحزم، والقانون، وحسن اختيار موظفي الدولة، وتفعيل قيمة الثواب والعقاب، التي أصبحت خلال العقود الماضية عقاباً للمحسن وثواباً للمسئ!
وحتى قضايا كبيرة وخطيرة مثل القضية الجنوبية أو الحرب في صعدة وُلِدَتْ اصلا بسبب فساد وسوء الإدارة، وترعرعت تحت عين السلطة للمزايدة واللعب السياسي محلياً وإقليمياً حتى شبّت عن الطوق وخرجت عن السيطرة.. وأصبحت قضايا حقيقية أكبر من النظام، وأصعب على الحل وكان يجب النظر إليها منذ البداية أنها لا تحتمل اللعب، وأنها تمس الأمن القومي اليمني في أكثر أماكن العصب حساسية!
إنّ أزمتنا إدارية ويكفي أن نشير إلى أن ثروات الوطن ماتزال مخطوفةً، منهوبهً،.. ولكن من يجرؤ على الكلام بحسب رأي بول فيندلي وهو يتحدث عن اللوبي اليهودي في أمريكا!.. نعم عاد الجيش.. فمتى تعود الثروة؟.. لقد جرت هنا أكبر عمليّة نهب في التاريخ لوطنٍ أو لشعب.. هنا وعلى ثَرَى هذه البلاد الفقيرة الغبراء، وبين ظهراني هذا الشعب المكافح وهو أجمل وأعزّفقراء العالم.. أثرى البعض حتى اشترى شوارع في أوروبا وأمريكا ودبي! وكأنّ حافظ إبراهيم لم يكن يقصد إلا اليمنيين حين قال في أوائل القرن العشرين.. "لقد كان فينا النّهْبُ فوضى فُهُذّبَتْ/ حواشيهِ, حتى صارَ نَهْباً منظّماً!" مع تبديل الظلم بالنهب!
متى يسترجع الشعب ثروته؟.. هل أقول ياقافلة عاد المراحل طوال! لمجرّد أن الدولة عاجزة عن عِقاب وملاحقة مجرمي ضرب الكهرباء، وتفجير أنابيب النفط وهم مجرمون ظاهرون وبعدد الأصابع.. إذْ كيف لي ان اتوقع أن تتم ملاحقة ومصادرة وعقاب الحزب السّرّي الأخطر والأكبر، المعلوم والمجهول.. حزب النهب والفساد،..حقاً، نقولها بكل حزن،.. ولكن بلا قنوط،.. ياقافلة عاد المراحل طوال!

حول الموقع

سام برس