سام برس
فنانة تقول بالفن في جانب من صلته بالوعي ضمن تجربة جمعت بين الموهبة و ما هو علمي أكاديمي..

"..العمليّة البحثية و الإنشائئية التي تسير فيها رسوماتي ، ليست في قطيعة مع ما يدور في عجلة الفنّ .فهي مواكبة و متأثرة بالضرورة بالبيئة المعاصرة .."

"..أعمالي ترتبط بالفنّ الآنـــي Art Actuel لكنها فـــــي ارتباط و انسجام مـــع ذاتيتــــي و كينونتي. مساري تجريب و بحث متواصل على مستــــوى اللون و الشكل و كذا التكوينة.." .

شمس الدين العوني

من فكرة التلوين المفعمة بالأعماق و ما دل اليها و عليها تكمن الرغبة في الذهاب عميقا حيث الرسم مجال قول بالشواسع و ما يعتمل بها من أحاسيس دالة منها تنشأ العملية الجمالية حيث القماشة و هنا مساحة مفعمة بما تشير اليه الكينونة من خيال و حلم و هواجس هي عين السؤال المقلق و المولد قبالة القماشة و ما تقترحه من تفاعل بين الذات و الأثر..بين الرسام و المنجز..و هكذا...

من هنا نمضي الى تجربة عملت صاحبتها على المواءمة بين هو فضاء محلوم به للرسم و ذات تبدي حيزا من حميميتها في حالة ضاجة بالاحساس وفق شغف تشكيلي يعي العلاقة الوظيفية ضمن فضاء القماشة بين الخطوط و الألوان و الأشكال من جهة و بين العواطف و المشاعر و الأحاسيس كفعل مضاف من ناحية أخرى وصولا الى العمل الفني في نسق به الكثير من التدفق و العمق و الصدق ..انها لعبة التمازج بين عناصر شتى للمحصلة التي هي العمل الفني بروح من جمالية التعاطي ...و التناول .

انه الفن في جانب من صلته بالوعي ضمن تجربة جمعت بين الموهبة و ما هو علمي أكاديمي و نعني تجربة الفنانة التشكيلية الدكتورة سنية خليفة بن الحاج مبارك التي تنوعت مشاركاتها الثقافية و العلمية فضلا عن التشكيلية من معارض متعددة آخرها المعرض الثنائي " لقاء " برباط سوسة الأثري بولاية سوسة صحبة الفنانة التشكيلية و الدكتورة أسيا الكعلي و الذي لقي حضورا و متابعة مميزة من قبل الفنانين و طلبة الفنون الجميلة بسوسة و من أحباء الفنون التشكيلية بصفة عامة.

و سنية خليفة ، أستاذة مساعدة للتعليم العالي بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة ، و فنانة تشكيلية محترفة متحصّلة على شهادة الأستاذية في الفنون التشكيلية اختصاص رسم و شهادة الماجستير في جماليات و ممارسات الفنون المرئية " من المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة ، و شهادة الدكتوراه في العلوم الثقافية اختصاص " مسرح و فنون العرض" من المعهد العالي للفن المسرحي بتونس .

و تتراوح مسيرتها العلمية و الفنية بين البحث الأكاديمي حيث أنّ لها عدة مشاركات في ندوات علمية وطنية و دولية ، و بين ممارسة فن الرسم حيث أنها عضوة في اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين و عرضت مع نقابة الفنون التشكيلية و الرابطة التونسية للفنون التشكيلية، كما كانت لها جملة من المعارض الشخصيّة و مشاركات في عدة معارض جماعية و ثنائية منذ سنة 2004 .

تعتمد في جلّ رسوماتها تقنية الرسم الزيتي و لها عدّة أعمال تستعمل فيها التقنيات المجمّعة لدمجها و تحقيق ملامس مختلفة في محاولة للذهاب بعيدا باللون و المادة و الولوج إلى دواخلهما ...و عن مجال اشتغالها الجمالي تقول "...عمليّة الرسم هي خاضعة بالضرورة لجدليّة التداخل و التخارج ، تجربة الرّسم هي المرآة العاكســة و المجمّعة لجملة من الانفعالات ، و الأحاسيس يضاف إليها جدوى اختيار التقنية المستعملة ،فتعاملي مع المادة اللونية و الملمسيّة يكــون باعتماد التقنيات الأكثر مواءمة لبث الهـــمّ التشكيلـــي و توصيل جلّ الهواجس و الأفكار ، هي عمليّة تخريج لما يسكنني و يرجّني .

مغامرة الرّسم هي دائما ما تكون رحلة مضنية في البحث و النبش في الداخل ، فاللوحة التشكيليّة أو عالم اللوحة التشكيليّة ، هو مزيج بين عالم الفنـــان و عالم القماشـــة المرسومة، و يعني هذا أنّ تعاملي مع فضاء اللوحة هو تعامل لا يخلو من حميميّة و حدسيّة ، إنّه المكان الحاضن و المازج بين الخطوط و الألوان و الأشكال و أيضا بين المشاعر و الأحاسيس الأكثر تدفقا و عمقا ...".

هكذا هي في رؤيتها الفنية التي تواصل القول بشانها "...إنّ المحمول الجمالي هو بالضرورة ذاتيّ ، فهو نابع من عمق أعماق الروح .إنّ رسوماتي ما هي إلا مراحل و مسافات أقطعها في مراوحة بين الذاتي و الموضوعي ، فبالإضافة إلى الهواجس الذاتية ، يستفزني واقع الأشياء ، إذ يمثل بالنسبة لي حقلا خصيبا أستقي منه موضوعاتي و تيماتي ، و لكن بمنظور يستجيب للواقع الجمالي و الدّلالي الذي أرنو إليه .التجربة التشكيليّة الذاتيّة هي جدليّة تخضع بالضرورة للقيود الموضوعيّة، فتجسيم لون أو شكل أو خط ، أو إحداث كتلة ، هو يعود لعوامل ذاتيّة و أخرى موضوعيّة .

إنّي أميل في اختيار الألوان الأكثر شفافيّة و الخطوط الأكثر مرونة و حركيّة و انسيابيّة ، بحثا عن الحرية و الإطلاقيّة ، و قد يلعب عامل الصدفة في تجربتي دورا هامّا ، فقد يحصل في عمليّة سكب الألوان و ما يرافقها من عنف و حركيّة الحصول على مؤثرات لونيّة و ملمسيّة ما كنت أقصد تجسيمها منذ البدء ، فتحصل هنا عملية المزج بين القصديّة و العفويّة ،حيث أنّ تحصّلي على مؤثر لوني أو كتلة ملمسيّة معيّنة يجعلني أبني عليه رؤية ما و يكون قادحا لتجسيد أشكال أخــرى تحفزني و تجعل أعمالي أكثر تطوّرا و أكثر ثراء و عمقا .فالعمليّة البحثية و المسار الإنشائي الذي تسير فيه رسوماتي ، ليست في قطيعة مع ما يدور في عجلة الفنّ .فهي مواكبة و متأثرة بالضرورة بالبيئة المعاصرة ، فأعمالي ترتبط بالفنّ الآنـــي Art Actuel لكنها فـــــي ارتباط و انسجام مـــع ذاتيتــــي و كينونتي. مساري الإنشائي هو إذن مسار تجريب و بحث متواصل على مستــــوى اللون و الشكل و كذا التكوينة . هو طريق أشقه و هو واقع أوجده بالعجينة اللونيّة و جلّ التقنيات التي تمكنني من الحصول على ملامس معيّنة .

في عمليّة التجسيم أستحضر تيمة ما ، لكن المؤثرات اللونيّة و الملمسيّة المتحققة بالصدفة أو بعامل الآنيّة ، تجعل أعمالي تتخذ منعرجات أخرى ما كنت فكرت فيها مسبقا ، فجلّ لوحاتي تخضع لعامل الانفتاح و التجديد و تنحو نحو التجريد ، إذ برغم العناصر التشخيصيّة التي تؤثث فضاء القماشة ، فكلّ لوحة من لوحاتي هي في الحقيقة تجلية للغائر في ذاتي ، و هي عرض جماليّ و إجماليّ لمقتطعات من الواقع المعيش .السّطح المدهون هو ذاك المزج المذهل بين العميق و المظلم و المشرق الناصع .أعمالي إذن ، هي مساحات قاتمة و هي بقع لونيّة مشبعة بالضوء . الخطوط المجسّمة هي آثار دالة على عمليّة الحفر و التنقيب في الذات العميقة و تلمّس الباطن و مظهرته .فعمليّة تنضيد الألوان ما هي إلا محاولة لترجمة الأفكار المتراكمة و بث الشحنة الانفعالية و الحسّ الفنّي .مساحة القماشة تجعل كل ذلك يتمرأى في سياق بصريّ جمالي، قابل للقراءة و التأويل إنه التجلي المذهل للمــــرئي و اللامرئي ...".

تجربة الفنانة التشكيلية الدكتورة سنية خليفة بن الحاج مبارك من الثراء بحيث على المتأمل في اللوحات أن يتقرى باطنها و حركة أحوالها في الشكل و التلوين و التخييل و هكذا فان العملية الفنية لديها تختزن كل هذا الثراء المعرفي و الذاتي من حيث الرغبة و الحلم و الوعي خاصة بالفعل الفني في صلته بأعماق النفس البشرية و هي ترنو الى ما به تسعد الذات و هي ترى العالم علبة تلوين .

حول الموقع

سام برس