جميل مفرح
من الواضع بجلاء أن الأوضاع الراهنة في الوطن لم تعد تحتمل التنظير، ولم تعد بحاجة إلى التوصيف والتحليل والمرافعات أو اقتناص الثغرات والهفوات بين السياسيين بعضهم البعض، وإحراز الأهداف والنقاط المتبادلة في مبارياتهم وجولاتهم السياسية، نعم لقد تجاوز الحال تلك المرحلة تجاوزاً ليس بالضرورة أن يكون إيجابياً، ولا أعتقد أنه حتى اقترب من الإيجابية، أو بارح النقطة التي انطلقت منها الأزمة بدايات العام 2011م ولنكن أكثر صراحة وحقانية فإن علينا أن نعترف بأن التأزم لن يتراجع أو يترك ساحتنا وواقعنا ما دامت واستمرت هذه الأوضاع كما هي في الوقت الراهن.
ومن حدث لآخر ويوم والذي يليه لا تظهر نيات صادقة لانتشال الوطن من هذه الحفرة التي لا يبدو فيها جلياً سوى الفوضى وغبار اعتراك لانكاد ندرك بين من ومن يتم، ولا من يقف وراءه أو يديره.. ويبدو جلياً أيضاً أن هناك من هو راضٍ عن واقع كهذا، بل ويكاد يشجعه ويغذيه، أحياناً بشكل مباشر، وأحياناَ عبر أيادٍ خفية وترتيبات تحتية لا يظهر منها على طاولة الحياة، بالأصح تمسك في يديها لوحات تحكم لبرامج وخطط تأزيم للواقع وتحاول عبر هذه البرامج إما فرض وجودها أو انتزاع ما تعتقد أنها تستحقه من نصيب في إدارة ومخرجات الوطن، وإن يكن على أي حساب!!.
وبالطبع ستستمر هذه القوى أو تلك الأطراف في ما هي فيه ما دامت العمائية والفوضى والمصائر المجهولة هي الواقع الملموس ولا شيء سوى ذلك.. ولن تراعي هذه الأطراف أي ظروف أو متغيرات إذ تعتبر أن هذه الفاصلة الزمنية والحدثية هي فرصتها المواتية لتحقق منجزاً سياسياً ومكسباً واقعياً لم يكن لها الوصول إليه لولا ما تشهده البلاد حالياً من متغيرات، ولن يكون لها تحقيقه لو مرت هذه المرحلة، وعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه، أو تغيرت إلى غير ما كانت عليه، سواء كان ذلك التغيير إلى الأفضل أو إلى الأسوأ.
وإزاء كل ذلك تبرز مشكلة عويصة هي سر ما كان عليه وصار إليه الوضع في البلاد، بل وهي كلمة سر الدخول إلى واقع أكثر جدة وجديةـ تلك هي الدولة، الدولة التي يوفر غيابها المساحات الشاسعة لمختلف الأطراف المتضادة المتآزرة، المتنازعة المتصالحة.. لتمارس كل ما تستطيعه من لوازم ومظاهر التسابق المحموم باتجاه التقاسم، تقاسم حصاد ما شهدته البلاد من فوضى عارمة، وما شهده العباد من عذابات متوالية، باتوا يعدونها عقوبات مريرة لما رسموه وتخيلوه وحلموا به من منجزات ومتغيرات!!
ومن الطبيعي جداً أن يكون المواطن المغلوب على أمره هو الضحية الأولى والأخيرة والوسطى أيضاً لكل ما يقترف في حق الوطن من أخطاء وخطايا ليس من منبع لها سوى السياسة وأربابها.. وذلك بالطبع ما يجعل من الدولة لدى هذا المغلوب حلماً يومياً لا يبارح صحوه وسباته.
عموماً لكي لا أطيل، ولا أنتهج اللف والدوران طريقاً للوصول إلى المتلقي بما أريد الإشارة إليه، فإنه بات من الضروري اليوم أن تبرز الدولة وأن تظهر أياديها، وتقطب وجهها بشكل جدي في وجوه الجميع، لتخرج بالبلاد والبشر مما يجتاحنا ويغش واقعنا من تدمير مفتعل لخدمة ثلة صغيرة من البشر لن يرضيهم ما يحصلون عليه ولو كان من علائم المحال، ولن يردعهم تهاوي الوطن وتطاير أشلائه، ولن يأبهوا بما يراق من دم وتزهق من أنفس ولو جرى الدم ودياناً ووصلت جثثنا بوابات السماء.. نعم على الدولة أن تكون دولة.. وأن تفرض سطوتها وقوتها، وأن تعلن عدم انحيازها لغير الوطن ومصلحة العامة من أبنائه.
نعم ليس سوى الدولة اليوم لديه القدرة على الارتهان بمهمة حماية الوطن والشعب.. وأنا وسوأي كثيرون أكيدون من أنه لن تنفرج أزمتنا ويشخص لما نعيشه من فوضى حد حقيقي فاصل يعلن نهاية التأزم والفوضى والصراعات إلا على يد دولة قوية تستطيع أن تضع الحدود الفاصلة بين مصالح هذه القوى أو تلك ومصالح الوطن وأبنائه المفترضة.. دولة تحكم قبضتها على هذا الواقع المتناثر وتلمّ أجزاءه، تفرض القانون وتحفظ الأمن وتؤمن للمواطن ولو أدنى مصالحة واحتياجات حياته اليومية، الدولة لاتنحاز لطرف ولا لجهة لتكون هي الطرف المأمول الممثل للحياة وللعدالة ولقضية الوطن ولا سوى الوطن.. إجمالاً ما نريده ويريده الجميع اليوم هو أن تفرض الدول وجودها بعيداً عن حسابات هؤلاء وأولئك، وليتنازع هؤلاء وأولئك كما يريدون ما دام هناك من يردعهم ويقف حائلاً دون سوم الوطن والشعب سوء العذاب ودون ما نعيشه من فوضى عارمة..
نقلاً عن الثورة

حول الموقع

سام برس