سام برس
أعمال نابضة بالحياة ومتوهجة حيث لا تكتفي الأشكال بالبقاء أسيرة للمادة بل تهتز خارج حدودها...
" انطلقت في خوض التجربة لتكبر أعمالي بمساحاتها اللونية و خطوطها و تنوعت لوحاتي في أحجامها "
التقنية المزدوجة لتبرز الشخوص في لوحاتي التجريدية و لكن بلا ملامح في ضرب من تلمس جمالية التشخيصي و التجريدي"
شمس الدين العوني
الفن هذ السير القديم المفعم بالنظر و التأمل حيث الذات في عنفوان أسئلتها تجاه الآخر و الأكوان الضاجة بما يعتمل في الكائن من هواجس و أمزجة و نشيد..اللون نشيد الروح و عنوان تجلياتها و هي تعارك الرياح و العناصر و الأشياء برغبة جامحة في القول و الافصاح..
ثمة ما يشي بالموسيقى في هذا السير و بالشعر و بالصور تتشكل في ايقاعها المخصوص لتشكل حالاتها بشؤونها و شجونها..انها كذلك فكرة الفن الماكثة في أقاصي التفاصيل يمضي تجاهها الفنان بكثير من حرقة الوله و الغرام تجاه هذا المعبر عنه و عن شواسع روحه..
و الفن بما هو فعل العقل و القلب و الروح في الكينونة يدعو الفنان طوعا و كرها الى استكشاف ما بالدواخل ..هذه الدواخل المفعمة ببالحركة و ألق العبارة و الوجد و الشجن هذا القادم عصارة الأحاسيس..هي اللعبة المشتهاة بضروبها و تلويناتها قولا بما ترسخ في الروح في حياتها الثرية بالحلم و الفرح و الانكسار و الخيبات ..
في هذه السياقات الحافة بالعلاقة بين الفن و الكائن نمضي مع فنانة تخيرت الرسم و التلوين للذهاب الى ذاتها عبر الآخرين كشفا و اكتشافا و هي التي عانقت منذ طفولة عابرة ومقيمة فيها هذه الرغبات تجاه الفن حيث عاشت طفولتها بمدينة حمام الأغزاز و في بيئة بين الفن و العلم و الروحانيات حيث أحبت الشعر و الرسم و الكولاج و التصميم وصولا الى الدراسة بالمعهد العالي للفنون الجميلة حيث درست و زاد هيامها الفني لتنهل من تجارب و أسماء على غرار بالعيفة بوجمعة و فوزية الهيشري و سامي بن عامر و عمر كريم ... ليكون لها التراكم المعرفي و تختص في هندسة الديكور لتتجه الى التدريس مع حرص على ترغيب التلاميذ في الفنون التشكيلية و من ذلك اقامة معارض لأعمالهم و هذا كله في كثير من حميمية العلاقة مع الرسم و القماشة و الأشكال و الألوان ...مع مرور جائحة الكورونا عادت الى الرسم مسترجعة علاقتها العميقة بالفن ...
انها الفنانة التشكيلية ألفة بن غزي التي كان ما ذكرنا جانبا مهما في تجربتها الفنية التي تعد الآن لموعد مهم و محطة بارزة ضمنها و نعني معرضها الشخصي الأول بعنوان " وجوه الروح " الذي تم افتتاحة امس السبت 12 أكتوبر بفضاءات كنيسة سانت كروا بالمدينة العتيقة لتونس و باشراف من بلدية تونس ..ليتواصل الى غاية يوم 09 من شهر نوفمبر المقبل.
و تواصل الفنانة بن غزي القول "...تواصلت تجربتي برغبة قوية اثر عودتي للرسم بعد جائحة الكوفيد 19 حيث عملت ضمن ورشة الفنانة المميزة كوثر كسو الجلازي التي كان لتأطيرها و توجيهاتها الأثر الطيب في عملي الفني حيث شجعتني لأن اعبر خلال الرسم بشخصيتي و أسلوبي الخاص ..و انطلقت في خوض التجربة لتكبر أعمالي بمساحاتها اللونية و خطوطها و تنوعت لوحاتي في أحجامها و كان القص و التلصيق و التجربة التقنية المزدوجة لتبرز الشخوص في لوحاتي التجريدية و لكن بلا ملامح في ضرب من تلمس جمالية التشخيصي و التجريدي وفق عمق و فلسفة للتعبير عن شخوص تعيش بداخلي و تتحرك في تنوعها بين الأمل و الفرح و الحركة و الشجن و الحزن و الرغبة في التحليق و الطيران و لكن يربط بينها و يجذبها ممسكا بها خيط هو الانجذاب الى الحياة و الأرض و كما يقول الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش ( على هذه الأرض ما يستحق الحياة )..انها رؤيتي أبثها في لوحاتي و أعمالي التي تتنوع محاملها في معرضي هذا من رسومات على الملابس و الكؤوس و غيرها في تصور يقول بتقريب الفن و الابداع من الناس و في حياتهم اليومية و خلال مختلف استعمالاتهم المعيشية ..تعددت مشاركاتي في تونس و خارجها من خلال المعارض الجماعية و التظاهرات الثقافية و الفنية التشكيلية ..معرضي هذا فيه 32 من أعمالي الفنية الى جانب "الديزاين" و بمقاسات مختلفة ...".
معرض شخصي بأعمال مختلفة بها قوة الألوان و تعددها ضمن لعبة الشكل و اللون و خطوط في علاقة تكاملية ...معرض خاص لمزيد التعريف بتجربة الفنانة ألفة بن غزي التي تواصل ضمنها عملها الفني برغبة و دأب شديدين قولا بالفن و دوره الجمالي و الوجداني و الانساني و الحضاري للشعوب و المجتمعات و الثقافات المختلفة .
هذا المعرض ترفقه الفنانة ألفة بن غزي بكتيب فني يضم حيزا من أعمالها و فيه نص عن جانب من تجربتها كتبته الفنانة كوثر كسو الجلازي منه ما يلي "...
"وجوه الروح" أكثر بكثير من مجرد معرض بسيط للوحات، فهو يمتد مثل ملحمة صوفية، تتكشف في ثلاث محطات عاكسة، وساحات معركة حقيقية حيث تتحول اللوحات إلى مرايا سائلة للروح البشرية. يصبح كل عمل لألفة بن غزي بوابة إلى غير المرئي، ودعوة لتجاوز المظاهر، والغوص وراء حجاب الأشكال لسبر أعماق علاقتنا مع العالم. ما الذي ندركه حقًا عندما ترى أعيننا سطح الأشياء؟ ما هي الأسرار، ما هي القصص الهامسة المخفية وراء الأنسجة، والملامح التي نعتقد أننا نعرفها؟ رحلة داخلية، استكشاف شعري حيث تصبح كل لوحة مفتاحًا لفتح أبواب كياننا. في هذه اللوحات النابضة بالحياة والمتوهجة، لا تكتفي الأشكال بالبقاء أسيرة للمادة؛ إنها تنبض بالحياة، وتنبض، وتهتز خارج حدودها..تبدو الأعمال وكأنها تتنفس، وترتجف، وتخلق أجواءً آسرة، أحيانًا تشبه الحلم، وأحيانًا مشبعة بحزن لطيف، كما لو كانت انعكاسات لعالم داخلي في تحول دائم. من خلال لعبة خفية من الفروق الدقيقة والنغمات..تغمرنا ألفة بن غزي في عالم حيث الحدود بين الواقع والأحلام غير واضحة، ، ينقلنا هذا المعرض إلى رقصة صوفية حيث يلتقي النظام والفوضى، ويواجهان بعضهما البعض، ويتشابكان في تصميم رقصات دقيق. الخطوط الصلبة، رموز العقل، تعارض سيولة الأشكال العضوية، وتجسد العاطفة النقية بكل روعتها. يبدأ التوتر الواضح، الذي يتفاقم بسبب تباين الألوان الزاهية: الأحمر المشتعل بالعاطفة، والأزرق العميق مع الحنين إلى الماضي، والأصفر المبهر بالضوء. كل فارق بسيط يتردد صداه مع لوحة الألوان الداخلية الخاصة بنا، مما يوقظ المشاعر المدفونة والعذابات والنشوات التي تشكل جوهرنا. وهكذا فإن المشاهد مدعو للغوص في هاوية كيانه، واستكشاف تعرجات روحه، ليفقد نفسه ويجد نفسه في هذه المتاهة من الأحاسيس والألوان...". معرض بلوحات و أعمال مختلفة يجمع بينها خيط ناظم هو نظر الفنانة ألفة للرسم و الفن عموما تجاه الذات و الانسان و يتجلى ذلك في عناوين مواد هذا المعرض و التي منها على سبيل الذكر "رقصة الارواح المزهرة /أكريليك وكولاج على القماش. 180 / 160 سم" و " الذاكرة الجماعية /أكريليك وكولاج على قماش. 116 / 89 سم" و "الدوار اللانهائي. /أكريليك على قماش 100 / 80 سم" و "الحدائق المسحورة /أكريليك وكولاج على قماش. 50/40 سم" و "سمفونية /أكريليك على قماش. 120 / 80 سم"...و في هذا النشاط التشكيلي تستعير الفنانة قول جلال الدين الرومي " أعيد بناء نفسي من الداخل، أنا الغريبُ وأنا المسافرُ، وأنا العائد، وأنا المستمر مع نفسي حتى النهاية" ..انها فسحة من عوالم العلاقة الفنية لألفة الغزي تجاه ما يعتمل بداخلها و اللوحة في عنوان لافت هو " وجوه الروح " و هوعنوان معرضها الخاص المنطلق مساء السبت 12 أكتوبر بفضاءات الثقافة بالمدينة العتيقة بتونس بكنيسة سانت كروا..معرض و كتيب فني و مجال شاسع للاطلاع على شغل فني و حيز من تجربة.