سام برس
قراءات متعددة في مدونة الشاعر البشير المشرقي بتقديم للكاتب منصور غرسلي ..
شمس الدين العوني
باشراف المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية ببنزرت ينظم المركب الثقافي الشيخ ادريس ببنزرت فعاليات ثقافية للفترة من 15 الى 17 نوفمبر تضمن عددا من الفقرات الثقافية منها قراءة في دواوين الشاعر ابن بنزرت البشير المشرقي و كذلك ورشة حول البنية القصصية في الحكايات العجائبية .
و خلال عشية يوم السبت 16 نوفمبر يكون الموعد مع قراءات في مدونة الشاعر البشير المشرقي من خلال التعاطي الدراسي و النقدي و الذوقي مع دواوينه الشعرية خلال مسيرته الأدبية التي تعود الى عقود من القرن الماضي باعتباره من الشعراء التونسيين البارزين في جيل الثمانينيات الذي تنوعت نصوصه من حيث الرؤى و الأساليب و التيارات الأدبية و الفكرية.و يكون هذا النشاط بتقديم من قبل الناقد و الاعلامي الأستاذ منصور الغرسلي.
موعد متجدد مع الفعاليات الثقافية للمركب الثقافي بادارة الأستاذ البشير القمودي وفق تنوع في الأنشطة بين ضروب الفكر و الثقافة و الأدب و الفنون.
و تعد المدونة الشعرية للشاعر البشير المشرقي غنية و ثرية الانتاج و المؤلفات حيث انتهج الشاعر طريقا للشعر بها خصوصيات فنية تعكس رؤاه و قراءاته و ميولاته الابداعية حيث كانت له مشاركات شعرية تونسية و عربية و دولية فضلا عن اسهاماته العديدة في الاعلام الثقافي و ملاحق الأدب و مجلاته و منها مجلة الفكر.
تعددت عوالم الشعر عند الشاعر البشير المشرقي و هنا نلقي نظرات في عنوان مهم من عناوين دواوينه و انتاجاته الشعرية و نعني كتابه الشعري الممهور ب " فسيفساء الظل و الألوان " الصادر حديثا عن دار خريف للنشر و التوزيع في 223 صفحة من القطع المتوسط و هوعمل شعري أبان فيه المشرقي عن توغله في تجربته الشعرية وفق رؤيته للشعر و للقصيدة ضمن الوعي الناجم عن أعماقه في احساس جارف بالحنين و بالغربة و بالحلم الذي يظل مقيما لديه في القصائد و في الحياة التي يرنو الى الجميل فيها و المشرق ..فالكتابة الشعرية لدى البشير ظلت و لعقود عدة بمثابة المحاولات المستمرة للارتواء و الخصب و الاخضرار في عوالم متحولة و مربكة تغذي ما في الكائن من اغتراب و وحدة و نزوع نحو الاحباط و التداعيات المريبة..و الشاعر نا في هذا الحنين الجارف يظل على قلق الانتظار واقفا يمجد هذا المكوث في بحار الاشتياق (ص38) :
" أحقا في غد سيعود طير
و يهمي في قوافينا
و حين أرى طيرا يغني
و نجما في ليالينا ينير
و أسمع صوتهم في الأذن همسا
و موسيقى و أوزانا تغير
و أرجع بين جنبي اشتياق
كشوق الطير أرهقه الهجير
سلاما يا ليالي الأنس قلبي
على نار يؤججها الزفير
سأبقى واقفا و الوقت يعدو
بمنديل الحنين لهم أشير...".
ان قصائد الشاعر في هذا العمل الشعري و في غيره من مدونته الثرية بمثابة الطاقة المواجهة للحزن و الكآبة المهيمنان على انسان هذه الأزمنة حيث خراب الأمكنة و الحروب و الصراعات التي هي نشاز عن الواقع الأمثل و الطبيعة المحلوم ببهائها و الأحوال المفعمة بالنشيد...نشيد الذات في احتفائها بالجمال و في عنفوان ألقها و هيجانها الرجيم على الرديء و الدنيء و ما يعكر صفو الذات و انسجامها مع الكون الجميل..هذه الذات القائلة بشاعرها القلق الغائم كصباح في الطريق الطويل حيث الأفق بمثابة النفق و لا مجاك عند ذلك غير الشجن و بحار الذكريات
(ص48) :
"...غائم كالصباح
و ممتلئ كالقلق
و الطريق طويل
و أفق الفؤاد
نفق
لا عصافير تشدو
على شجر
لا غناء يبدد
وحشة هذا
النهار
و لا قمر في
السماء يلوح
الشتاء على
قاب قوسين
و العمر نوارة
في مهب الرياح
و وجهك غائمة
قسماته
سيجارة
في يدي
كالربيع الذي
قد مضى تحترق
و شجون و بحر
من الذكريات
على ساحل الروح
هاطلة
أين نمضي اذن
قلت للقلب
و الطرقات معطلة
و الخطى أخطأت
دربها...".
هذا الكون المكلل بالأسى و بالحلم دفعة واحدة ..فيه للحلم الجميل مكان و فيه للشجن المعتق أمكنة حيث للطير هنا فسحة حرية و تشوف و آمال هو عين رغبات الشاعر البشير المشرقي الذي يحاول و يحاورالعناصر و التفاصيل بأرض الشوق الممتدة و ما فيها من أمنيات جمة و أغنيات مبهجة بعيدا عن قتامة الأشياء و السواد المحزن و اليأس ..
(ص 124-125) :
"...و رأيتني في الحلم طيرا هائما
بين الخمائل في حماهم ينشد
يهمي الحنين على جناحه أنهرا
و الشوق في أحشائه يتوقد
و فتحت أسفار الهوى فوجدتها
خضراء يانعة كغصن البان
فيها من الشوق الكبير جحافل
و سحائب تهمي على أغصاني..".
هذا هو كون الشاعر البشير المشرقي و هو المفصح في نشيده الخافت و في شجن عظيم عنوانه الحلم في شوق هائل و بهجة و انكسار ..و هو كون الأحاسيس المبينة في كل ما تحيل اليه من أريحية للنفس و هي تتمرد على سلبيات الحياة و الكائنات لأجل عالم يمقت الاحباط و اليأس و يعلي من ثورات الوجدان ..الوجدان الشاعري في تعدد نظراته و عواطفه النبيلة تجاه الآخرين ..تجاه العالم.اها رحلة الشاعر و مغناته في دروب الحياة بما يشبه الملحمة ..أو لنقل انها ملحمة الشاعر..الملحمة المشرقية في شؤونها و شجونها حيث الغناء ايقاع القصائد و سلوى الشاعر و بوحه المخفي من قدم في الضلوع... (ص 62) :
" غنيت لم أطلب جزاء أروعا
من أن أغرد في الحياة و أبدعا
حاشا ضلوعي أن تكون ضنينة
بالبوح كم فيها العبير تضوعا...".
و هكذا .. فان عمل الشاعر البشير المشرقي الذي نحن بصدده و نعني كتابه الشعري الممهور ب " فسيفساء الظل و الألوان " مجال جديد و متجدد للقول الشعري المنسجم مع تجربة الذات و الحياة لشاعر عرف ضمن جيله الثمانيني بهذا الدأب و الحرص ضمن نهجه المتقصد كتابة و أسلوبا و الشعر هنا يسير وفق خيط ناظم هو وجدان الشاعر و نظرته المفعمة بالتأملات و الأحاسيس العميقة في أزمنة السقوط و العبور و بذاءة الحال...و الأحوال..شعر ينفذ سريعا و عميقا طوعا و كرها الى الدواخل حيث الروح المتشظية بين الوجيعة و الحلم و الجمال .
لقاء ثقافي أدبي مهم عشية السبت 16 نوفمبر 2024 بالمركب الثقافي الشيخ ادريس بمدينة الجلاء الساحرة بنزرت في ادارة و تقديم للكاتب منصور غرسلي .