
سام برس
تخير طريقته الفنية و طريقه وسط زحام الرؤى و الأفكار و الأساليب ليرسم ذاته و ما بها من خطاب للآخرين ليبث فيهم شيئا من نشيده و حبه و أمله و وداعته الجميلة التي لونت حضوره بين الفنانين و المبدعين..
المهندسة نادية غراب رفيقة دربه ".. عمارة غراب شخصية فريدة في حبها للفن و من خلاله للناس و البسطاء باعتباره كان حالما و يحب الخير لهم و يرى في الفن ملاذا مبهجا للناس في زحمة العولمة و الفقر و القلق و المظاهر القاسية..".
شمس الدين العوني
ماذا لو يأخذنا النور..الى بقاع الوجد ..و الحلم.. و الكلمات..حيث الظلال عمارة القلب و الروح..و الألوان سردياتها الباذخة..ثم ماذا لو تقولنا طفولة عابرة و مقيمة بالدواخل في تجليات الأمكنة..ثم ماذا..آه منك ايتها السيدة القلقة التي اسمها " ماذا "..
هكذا غنى الفتى شيئا من نشيده القديم في تلك البقعة من جنوب تونس ذات مجيء حالما بالخط و اللون و الكلام في عنوان لافت لرغبات شتى من أسمائها البهجة و الحلم و الضوء و الكلمات.جرجيس حاضنة هذه البدايات المفعمة بروائح الزيتون و نشيد البحارة فجرا و ايقاع القرويين القدامى الذين يضيؤون دروبنا بالتحايا و بالبهجة العارمة..
من هذا الدفء و الايقاع البسيط الصادق و الحقيقي انبثقت وردته المشرقة بأحلام شتى..
من جرجيس لمعت نجمته و تحرك صوته في الأقاصي..و مضى في صمته البهي يزرع الخطوط و الألوان و البسمات في أرض الناس علها تجلب الحصاد الوفير..الحب و البراءة و البهجة و الجمال و التعايش و السلام .....و الفن الذي يتقن قول العذوبة بأنامل من قصب ..فمن قصب قدت نايات روحه و هي يشير الآفاق حيث نجمة الفجرتدل العابرين تقودهم الى جنان الوقت و موسيقى الأمكنة ..
عمارة غراب هو هذا الذي ألفته الخطى الأولى في جغرافيا جرجيس المطلة على الأكوان ..أحبها و رأى فيها وجوهه الأخرى التي رافقته في أسفاره و رسوماته و اقاماته بين العاصمة و باريس و القاهرة ...ليطلع الناس على شيء من بوحه الملون و أعماله الفنية المكللة بجمالية فائقة هي من روحه و غنائه العذب و نشيده الدفين ..
التقيته في تسعينيات القرن الماضي في نهارات و سهرات المحرس..حيث المهرجان الدولي للفنون التشكيلية الى جانب نخبة من فناني جيله من تونس و من العالم و فنانين من أجيال أخرى ..تجلس اليه فيأخذك حرصه على الحلم بما هو جميل و مبهج للآخرين بالفن و غيره..عميقا لطيفا منصتا ...كان.
اختزل الفن و الابداع التشكيلي و المعماري في تقاسيم وجهه و محبته للناس و هدوئه الباذخ على غير ما تعوده الناس و جمهور الفن من صخب الفنانين و معاركهم الشخصية البعيدة عن الابداع و عدم سمو أهدافهم و أرواحهم المبدعم عموما..كان عمارة من هذه القلة الجيدة من الفنانين الذين اتخذوا من الفن و منذ الشباب بوابة للفرح و الحلم و الرغبات لاسعاد الناس ..و الفن هو شيء من تلك السعادة المبثوثة في الأمكنة و العناصر و التفاصيل و الأشياء..
سعى الفنان و المعماري عمارة غراب في حياته الفنية الى الفن بما هو ذاك الذهاب في سفر حيث الذات الحالمة بالتجدد و القول بالمبتكر نظرا للأشياء و محاولة للامساك بجوهرها في كثير من الدهشة و البهجة المفعمة بالرغبات..رغبة التعبير الفني للافصاح عن اعتمالات الدواخل و رغبة تجميل العناصر و استنطاق الكامن فيها من بهاء...و رغبة المحاولة المفتوحة للامساك بالفكرة و ترويض قلقها و أسئلتها و كل ما يحف بها من عناوين الابداع و الفن في تجليات تفاصيله...و رغبة الوجود عبر الفن حيث الاقامة على هذه الأرض المليئة بالأسرار و الفن هنا و بهذه الرغبات و غيرها كون حوار مفتوح و محاولات متواصلة تجاه هذه الأسرار..انها لعبة الفن في ممكنات شتى حيث الفنان ذلك الطفل المقيم في حلمه و في قلبه شيء من دفتر الرغبات...و هكذا..
و من الفن يبرز عالم التشكيل كلون ابداعي ينهض على جماليات مختلفة وفق رؤية الفنان و منطلقات سعيه الفني و رؤاه..
هكذا..فمن فكرة متحركة تمضي العوالم الى دواخل الذات و شواسعها الجمة حيث لا مجال لغير النظر بعين القلب..هي الفكرة تجترح تلوينها منذ طفولات عابرة حيث اللعبة الفنية الابداعية و ما تحيل اليه من فنون مجاور المعمار و التخطيط و ... وفق عنوان لافت و هو اللعب باللون و الابتكار ذات طفولة..تأتي بعد ذلك رغبات الذات في النظر وفق زوايا مختلفة لهذه الذات في تعاطيها المختلف مع الآخرين ..مع العالم..
الوجه بتعبيراته الشتى نشدانا لحالات قوله بين البهجة و السرور و الشجن الجميل و ما الى ذلك من شؤون و شجون العواطف و الأحاسيس..و الجسد هذا المتحرك في فضاءات تعبيريته تقصدا للعبارة و العمارة و التلوين المراوح بين أحوال منها تشخيصية حالمة و تجريدية عميقة في كثير من التبدلات السانحة و المتغيرات الممكنة .
لقد تخير عمارة غراب المعماري و الفنان طريقته الفنية و طريقه وسط زحام الرؤى و الأفكار و الأساليب ليرسم ذاته و ما بها من خطاب للآخرين ليبث فيهم شيئا من نشيده و حبه و أمله و وداعته الجميلة التي لونت حضوره بين الفنانين و المبدعين..الفن عنده عنوان تواصل لقول الذات و اقتراح ممكناتها الجمالية تجاه الفضاء و الآخر حيث العناوين الجمالية تمنح المتلقي الحيز الكبير من القراءات و الفهم و التأويل..هذه وجهة نظر حيث الفنان ذلك الطفل الذي يحرس لعبه و يحلم بمنح الآخرين عوالم ساحرة يسميها أحيانا الابداع و الحنين ..و أحيانا أخرى يراها علبة تلوين .
هكذا تميزت مسيرة و تجربة عمال غراب الفنان الانسان و هو المنتشي برقص الدراويش و النشيد الصوفي و الطقس الوجداني ليمضي في فسحة الفن بما هو تعبيرية باذخة و عنوان تواصل ..
هذا ما بدا من تلويناته و حضوره الفني الذي تنضاف اليه تلك الخصوصيات التي ميزت سيره الفني كانسان حيث تشير رفيقة دربه المهندسة نادية غراب ابنة النيل التي أقامت له المعرض بمصر و عملت على نشر الكتاب الفني و عنوانه " عمارة غراب ..فنان تشكيلي و مهندس معماري ..عاشق للنور..1945/2023 ..) في اخراج أنيق به بانوراما عن السيرة و المسيرة للفنان عمارة و صور لأعماله و نصوص دالة على نظرات و قراءات للتجربة كتبها الفنان و الناقد الفني و الاعلامي عمر الغدامسي و الكاتب هشام بن عمار و الكاتبة فوزية الساحلي كما انتظمت بدار الفنون بالبلفدير بدعوتكم ندوة و حوار حول الفنان و المعماري عمارة غراب بمناسبة اختتام معرضه الاستعادي " تجليات الخط " و تقديم الكتاب الصادر بالمناسبة " عمارة غراب فنان تشكيلي و مهندس معماري عاشق للنور " و ذلك خلال سهرة رمضانية و بحضور جمع من الفنانين و النقاد و أحباء الفنون الجميلة.هذه الأنشطة كانت بمناسبة المعرض الاستعادي برواق الفنون بالبلفيدير على سبيل الاستذكار و الاحتفاء بالتجربة و بالفنان و قد نجح هذا المعرض من حيث ابراز بانوراما التجربة لعمارة غراب و تمكين المشهد الفني التشكيلي بساحته و فنانيه و أحباء الفنون و الشبان من اطلالة ضافية على حياة فنية متنوعة المنجزات و الأعمال و الحضور لفنان أحب الفن بشغف و درسه بتونس و بفرنسا و مضى في رافده المعماري قولا بما للفن من شمولية جمالية و حسية و انسانية.
السيدة نادية غراب تحدثت بطفولية عارمة مشيرة الى ".. عمارة غراب شخصية فريدة في حبها للفن و من خلاله للناس و البسطاء باعتباره كان حالما و يحب الخير لهم و يرى في الفن ملاذا مبهجا للناس في زحمة العولمة و الفقر و القلق و المظاهر القاسية..من الفن ذهب الى المعمار و مشاغله و شؤونه العديدة تناغما مع متطلبات الحياة و لكنه سئم هذه الدوامة القاتلة و الغارقة في اليومي المتعامل مع المقاولين و المهندسين المعماريين حيث خطط عديد النماذج المعمارية لمشاريع منها الكبرى و لمؤسسات و لم ينسه ذلك و لم يمنعه و عدم تسلم المقابل المادي بالنسبة لغير القادرين من ضعفاء الحال و الفقراء..ليعود بقوة الى الفن التشكيلي تلوينا و حلما و شغفا ..و رغم المرض فانه كان يواصل رسالته الفنية و منها بعثه لجمعية كاطار للنشاط حيث نظم تظاهرات فنية و شعرية منها تلك التي شهدتها توزر..كان يتنفس فنا و يرى الحب في الآخرين و يحلم باسعادهم و لذلك كانت جل أعماله مبهجة و دافعة تاه الفرح و هنا كان النور جوالا في اللوحات مشيرا الى القادم الذي يراه جميلا في شحنة قوية من الأمل...".
هكذا رأت نادية فنانها عمارة و لذلك التقت اللوحات و الكتاب و المعرض في باحة أحلامها بدار الفنون بالبلفيدير ضمن المعرض الاستعادي " تجلّيات الخطّ" للفترة بين ( 15 فيفري – 15 مارس 2025 ) ..و عمارة غراب ( 1945− 2023) ، هذا الفنان التشكيلي والمهندس المعماري قاده حلمه من مدينة جرجيس الساحرة نحو العاصمة تونس لدراسة الفنون التشكيليّة و بعد ذلك إلى باريس(1968) لينهي دراسته في مجال الفنون التشكيلية وفي الهندسة المعماريّة ثم عاد الى تونس كأستاذ في فن المعمار..قدم بحثه العلمي للدكتوراه حول" الرموز والأشكال في المسكن التقليدي" ..هذا المعرض الذي ضم
82 عملا فنيا برواق الفنون بالبلفيدير تجلت فيه اللعبة الخطوط و الألوان و المعمار لتشكيل وحدة جمالية بينة ميزت عملة طيلة عقود ليستمتع من زارهذا المعرض البانورامي بموسيقى الأعماق و هي تعطر المكان.. مسيرة حافلة و تجربة حرية بالمتابعة و شخصية مختلفة و فنان بروح طفل ..و معرض شامل للأعمال برعاية وزارة الشؤون الثقافية.
هذه حدائق التلوين و الخطوط و المعمار نشدانا للجمال و السمو و الابداع عند عمارة غراب الفنان المفتوح على الدهشة و بهجة العناصر..و عود على بدء نعيد القول.. ماذا لو يأخذنا النور..الى بقاع الوجد ..و الحلم.. و الكلمات..حيث الظلال عمارة القلب و الروح..و الألوان سردياتها الباذخة..ثم ماذا لو تقولنا طفولة عابرة و مقيمة بالدواخل في تجليات الأمكنة..ثم ماذا..آه منك ايتها السيدة القلقة التي اسمها " ماذا "..عمارة غراب..فنان بحجم بهجة...و نشيد.