سام برس
اجلالاً وتقديراً ومحبة للمعلم الذي أفنى عمره في تربية وتعليم وتنوير الشعوب ، وكان ومازال وسيظل فيضه المتدفق في كافة العلوم الانسانية وعطاءه المتجدد وارادته وضميره الحي يعكس عظمته ومسيرته الناصعة بعد ان حمل مشاعل العلم وريادة التنوير.

يحتفل العالم باليوم العالمي للمعلم المصادف 5 أكتوبر 2025 من كل عام ، بهذه المناسبة العظيمة وفاءاً وتبجيلاً للمعلم الذي كاد ان يكون رسولا ، والشكر موصول لليونسكو التي كان لها جهود ملموسة في تأسيس هذه المناسبة عام 1994، والاحتفال بتوقيع عام 1966 بناء على على توصية اليونسكو .

وبهذه المناسبة السنوية السعيدة يحتفل العالم بتلك المصابيح المضيئة والنجوم اللامعه والكواكب الدرية التي نقلت شعوب العالم من الجهل الى المعرفة ومن الظلمات الى النور ، ومن بين تلك البلدان اليمن الجريح الذي يحاول البعض ان يجره الى عصور التخلف والانحطاط .

من المؤسف والمخجل ان تأتي هذه المناسبة السعيدة على قلوبنا والمعلم اليمني الشريف والنزيه والمستقل الذي دفع دم قلبه وقدم سنوات عُمره ووقته وجهده ومهاراته وخبراته وكفاءته واخلاصه ضريبة للفوضى وثمناً للمهاترات السياسية والاجندات الداخلية والخارجية وهو يبحث عن لقمة العيش وسقف يظله واسرته وحقوق تبقيه على قيد الحياة.

وشاهد الحال المرير أن المعلم اليمني اليوم يكابد رمق الموت بعد ان تم تجريده من معظم حقوقه ومكانته البارزة في المجتمع وأصبح ضحية كبرى وأضحية في شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه بعد ان ُخيم عليه اليأس وسيطر عليه البؤس والجوع والخوف وضاعت حقوقه المالية وكرامته الانسانية بسبب الظروف الاستثنائية للبلد بشكل عام .

وواقع الحال اليوم أنه لم يعد المعلم هو ذلك الانسان المهني والاكاديمي الكفؤ والمدرس المستقل بعد ان تم توظيف بعض قليلي الخبرة والمسؤولية الذين لايهمهم العلم بقدر التعصب للمذاهب والاتجاهات السياسية والفكرية من محسوبين على هذا الحزب او تلك الجماعة ، بينما يناضل الوطنيون من أجل تقديم عصارة جهدهم.

ويبدو ان لم يخونني التعبير ان وزارة التربية والتعليم العالي تحتفل هنا وهناك اليوم بهذه المناسبة.. " مرور الكرام " من باب اسقاط الواجب بعد ان تم تجريد المعلم من غالبية حقوقه وامتيازاته بأستثناء الشيء اليسير رغم تغيير المناهج بطريقة غريبة وتلقيحها بثقافات عجيبة وافتقادها الى شروط ومعايير وروح العصر.

نسمع عن تغيير المناهج المدرسية وندرة الكتاب المدرسي الذي تحول الى سلعة على أرصفة الطرق والشوارع الرئيسية واسعاره الكبيرة ونسمع عن ضم شعارات حزبية ومذهبية وتعليم ضعيف ومخرجات أضعف من خيوط النكبوت من الصف الاول الابتدائي مروراً بالثانوية العامة وحتى الجامعة ومابعدها من لعبة شهادة الماجستير والدكتوراة التي تذكرنا بكتاب كيف تحفظ الانجليزية في 5 أيام وبدون معلم .. بما يعكس ارادة زيد او عمر ، كدليل كبير على ان التعليم في اليمن كارثة وان الجامعات الحكومية والاهلية أصبحت تهتم بالرسوم والاموال والجباية على جودة التعليم دون رقيب وان وجد الرقيب أخذ حق ابن هادي وردد شعار الحي أبقى من الميت.

والحقيقة التي لا جدال فيها ان الكثير من المعلمين اليمنيين اليوم في حالة يأس وفقر وجوع وتشرد وخوف وهروب من المؤجر والبقال والتاجر وعاقل الحارة وقسم الشرطة والقضاء وحتى من زوجته واولاده بعد ان عجز عن توفير ابسط متطلبات اسرته وأطفاله ، فكيف له ان يؤدي رسالته بكل أمانة ولا يملك الكثير منهم أجور المواصلات أو حق السندويتشات .

ورغم التزام المعلم والمدر الاكاديمي اليمني بالدوام الرسمي والبصمة وتقديم ما عليه من واجبات الا انه أصبح يائساً من الحياة ومماطلة الدولة والمواعيد العرقوبية للحكومة والظلم الفادح لوزارة التربية والتعليم العالي التي لم تدافع عن المعلم وحقوقه وتشفير صندوق المعلم والمساهمة المجتمعية التي فُرضت من اجل تحسين احوال المعلم ولكن لا حياة لمن تنادي بالقطااااارة !!؟.

والمشهد الرهيب والصادم اننا نسمع من معلمين اجلاء ومدراء أعزاء ونتابع وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو بعض لقطات لمعلمين أقدموا على الانتحار وشنق أنفسهم والبعض ممن رمى بنفسه من مكان شاهق او شرب السم الزعاف أو أصيب بحالة نفسية وأنهيار عصبي وآخرين بالعمى والجلطة والسكري والقلب والسرطان والجنون ورغم ذلك مازالت حكومات الامر الواقع في اليمن المشظىء خارج اطار التغطية وعاملة "اذن من طين واذن من عجين ".

وبينما يتنافس اليابانيون والغربيون والماليزيون والصينيون والقطريون والسعوديون والاماراتيون والكويتيون والمصريون وغيرهم بالمناهج العصرية والعلوم الانسانية في مجالات الطب والهندسة والانشاءات والتكنولوجيا والكيمياء والفيزياء وغيرها من التخصصات ويفتخرون بالمعلم ويَكرمُونه ويتقاضى حقوقه المالية وحوافزه الكبيرة ، فأن معلمي اليمن الجديد في ادنى مستويات الاجور والكفاءات تتعرض لمحرقة الحقوق ومعاول لهدم الامال والتفاؤل والطموح وبيئة طاردة للكوادر والمبدعين الذين يريدون المساهمة في بناء اليمن بكل فخر واعتزاز.

لا ادري كيف أصف مناسبة يوم المعلم وكيف أهنىء كل معلم وتربوي قدير وكيف يحتفل المعلم اليمني الجائع الذي أفقرته حكومات الامر الواقع هنا وهناك وتآمر عليه السياسيون وتنكر له القياديون تحت مسمع ومرآ وزارات التربية والتعليم ومكاتبها في صنعاء وتعز وعدن ومارب والحديدة وإب وحضرموت وغيرها بعد ان ثبت على مبدأة وحافظ على سمعته وحياديته ووطنه بعيداً عن لعبة الاحزاب والاساطير ومذاهب التخلف وتوظيف السياسة والدين.

أخيراً .. اتحدث هنا عن المعلم والموجه الكفؤ والرجل النزية والانسان الصادق والمدير المحنك والمستقل والاكثر بُعداً عن الحزبية والمذهبية والمناطقية الذي لم يخرج الى ساحات الفوضى ولم يحرض ويرفع شعار " لاد راسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس" ولا ذلك المعلم الذي خان الامانة ونقض العهد وترك الفصل الدراسي والمدرسة وهدد وتوعد ومنع زملائه من الاساتذه الشرفاء والمهنيين من مواصلة الحصص للتلاميذ والطلبة ولا المدير والمدرس الذي أجاز النجاح لطالب راسب وحتى الجامعات اليمنية.

لذلك نأمل من حكومات الامر الواقع في اليمن التعيس أن تُبادر في هذه المناسبة وكل مناسبة الى وخز الضمير والاهتمام بالمعلم صانع الاجيال وباني التنمية من خلال وقفة صادقة أمام الله والشعب الى تحسين أوضاع المعلمين وصرف علاواتهم ودرجاتهم الوظيفية وزيادة مرتباتهم وتنظيم الدورات المهنية لاعادة بناء مادمرته الاحزاب والمشاريع والاجندات المشبوهه بدلاً من التهديد والوعيد والتخوين والفقر والجوع والديون التي تخرجه عن مبادئه ومشاعره ومسؤولياته المهنية والانسانية وحتى وطنيته .. أملنا كبير.
[email protected]

حول الموقع

سام برس