بقلم / عادل حويس
يمثل أي توجه من الكيان الصهيوني نحو الاعتراف بإقليم أرض الصومال ككيان منفصل عن جمهورية الصومال الفيدرالية خطوة بالغة الخطورة، تتجاوز بعدها الجغرافي المحدود لتلامس جوهر الأمن القومي العربي والإسلامي وتهدد مبادئ القانون الدولي القائم على احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها. فمثل هذا الاعتراف لا يمكن النظر إليه بوصفه موقفا دبلوماسيا عابرا أو خيارا سياديا معزولا بل يأتي في سياق تاريخي وسياسي معروف يقوم على توظيف النزاعات الداخلية وتغذية النزعات الانفصالية من أجل إعادة تشكيل الخرائط الإقليمية بما يخدم مصالح ضيقة على حساب استقرار الشعوب.
إن الصومال بما يمثله من عمق استراتيجي في القرن الإفريقي ليس دولة هامشية في معادلات الأمن الإقليمي. فموقعه الجغرافي المشرف على خليج عدن وباب المندب أحد أهم الممرات المائية في العالم يجعله جزءا لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي العربي لا سيما أمن البحر الأحمر الذي تتداخل فيه مصالح الدول العربية والإسلامية بشكل مباشر. ومن هذا المنطلق فإن أي مساس بوحدة الصومال يفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية ويحول المنطقة إلى ساحة صراع مفتوحة يدفع ثمنها في المقام الأول شعوب المنطقة.
الاعتراف بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة في حال حدوثه يشكل سابقة خطيرة تشجع الحركات الانفصالية في العالم العربي والإسلامي وتبعث برسالة مفادها أن تفكيك الدول أمر مشروع متى ما توافقت عليه مصالح قوى خارجية. وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع المواقف المعلنة حول احترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على وحدة أراضي الدول الأعضاء وعدم جواز التدخل في شؤونها الداخلية. كما أن هذا السلوك يعكس ازدواجية المعايير التي طالما ميزت سياسات الكيان الصهيوني حيث يتم التمسك بمفاهيم السيادة عندما تخدم مصالحه وتجاهلها عندما تتعارض معها.
ولا يمكن فصل هذا التوجه عن استراتيجية أوسع تهدف إلى تطويق العالم العربي والإسلامي عبر التغلغل في إفريقيا وبناء موطئ قدم سياسي وأمني قرب الممرات البحرية الحيوية. فالقرن الإفريقي بما يحمله من ثروات طبيعية ومواقع استراتيجية أصبح ساحة تنافس دولي محتدم ويسعى الكيان الصهيوني من خلاله إلى تعزيز نفوذه وخلق تحالفات جديدة على حساب القضايا العربية العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تتعرض في الوقت ذاته لمحاولات عزل وتهميش ممنهجة.
كما أن تشجيع الانفصال في الصومال لا يخدم الاستقرار أو التنمية بل يفاقم حالة الهشاشة السياسية والاقتصادية ويزيد من معاناة الشعب الصومالي الذي عانى لعقود من الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية. فالحل الحقيقي لمشكلات الصومال لا يكمن في التقسيم بل في دعم مسارات الحوار الوطني وتعزيز مؤسسات الدولة واحترام إرادة الشعب الصومالي في إطار وحدته وسيادته.
أمام هذه التحديات تبرز مسؤولية عربية وإسلامية جماعية في التصدي لمثل هذه المخططات من خلال مواقف سياسية واضحة وتحركات دبلوماسية فاعلة ودعم الحكومة الصومالية الشرعية في المحافل الإقليمية والدولية. فالصمت أو التراخي في مواجهة محاولات تفكيك الدول لا يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى ويجعل الجميع عرضة لتكرار السيناريو ذاته في أماكن أخرى.
إن الحفاظ على وحدة الصومال ليس قضية صومالية فحسب بل هو جزء من معركة أوسع للدفاع عن استقرار العالم العربي والإسلامي في مواجهة سياسات التفتيت وإعادة رسم الخرائط.
ومن هنا فإن أي اعتراف بإقليم أرض الصومال ككيان منفصل يجب أن ينظر إليه بوصفه عملا عدوانيا مرفوضا يستدعي موقفا حازما يضع حدا لمحاولات العبث بمصير الشعوب ومستقبل المنطقة.


























