بدرية البشر
كنا نقول الله يكفينا شر الضحك، لكننا صرنا نقول الله يكفينا شر قطرتين من مطر، أما الضحك فلا مناص منه!
سالت مع الأمطار التي سدت شوارعنا سيول موازية من النكت، تريد تحويل المأساة إلى كوميديا، طالما أنهم لا يجدون حلاً لهذا الغرق الذي كشف هشاشة شوارعنا وبنيتنا التحتية، فتحولت الشوارع إلى مستنقعات وسدت الطرقات وعطلت المدارس، وجرفت البيوت التي بنيت في مجارى السيل، كل هذا لأن المطر زارنا يومين في العام، وبدلاً من أن يستبشر الناس بالمطر راحوا يقاومونه بالنكت قائلين بأن طقس السعودية صار يقلد طقس لندن حتى إن الناس صاروا يتكلمون «إنكليزي»، وفوجئوا بأنهم كلما سحبوا نقوداً من الصراف خرج لهم جنيه إسترليني.
وحين علقت وزارة التربية الدراسة وعطلت المدارس انتشرت نكتة تقول: لو كان طقسنا مثل لندن بأمطاره لكانت الدراسة عندنا «دراسة منزلية» والاختبارات عبر الشبكة الإلكترونية، كما نشرت صورة لإحدى مدارسنا وقد غرقت باحتها بالمطر، وكتب تحتها: «أخيراً أصبحت مدارسنا بمسابح كما في اليابان».
ويبدو أننا بعد هذه النكت والسيول يمكن لنا القول: «الله يكفينا شر النكت»، لكن أعجب نكتة وجدتها في أخبار السيول هي أن المتسبب هذه المرة في غرق الشوارع السعودية هم بائعو شاورما، فبينما اكتشفنا منذ سيول جدة في العامين 2008 و2009 أن أسباب الغرق هي صكوك الأراضي المزيّفة، وتزوير كتاب عدل وتواطؤ مسؤولين في البلديات مع بعض تجار العقار، اكتشفنا هذه الأيام أن بائعي الشاورما قد يكون لهم ضلع في غرق بعض المدن السعودية، فقد صرح الأمين العام للهيئة السعودية للمهندسين الدكتور غازي العباسي خلال حديثه إلى «الحياة» منذ يومين، أن 15 ألف مهندس أجنبي يحملون درجات علمية مزيّفة تقدموا إلى الهيئة طوعاً بهدف تغيير مسمى مهنهم من مهندس إلى مهنهم الأصلية، بعد أن أصدر الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز أمراً بعدم تجديد إقامة المهندسين إلا بموافقة الهيئة السعودية للمهندسين، كما أن الـ15 ألف مهندس حصلوا على «تأشيرات مهندسين» على رغم أنهم لا يعملون في حقل الهندسة، بل إن بعضهم كان يعمل في محال بيع «الشاورما»، وأنهم قاموا بذلك ليتسنى لهم استقدام عائلاتهم إلى المملكة، لأن السلطات السعودية تصنّف مهن المهندسين ضمن المهن التي يسمح لممتهنيها بإحضار عائلاتهم.
وهكذا استطاع بعض بائعي الشاورما أن يهنأوا بعائلاتهم، فيما نحن نغرق، وتتعطل مدارسنا ويموت 17 ضحية خلال يومين هذا غير الخسائر المادية، لكن الحق ليس على بائعي الشاورما الذين ربما اشتغلوا بهندستنا، بل على القضاء الذي يتركهم من دون حساب، بل ويتعاطف معهم. فأحد القضاة - كما ورد في صحيفة «الشرق» – لم يجد بأساً في أن يسامح رجلاً سودانياً زوّر شهادة هندسة كهربائية وافتضح أمره، لكن والده أثبت أن ابنه المزوِّر حافظ للقرآن الكريم فأُطلق سراحه وعُلّق سجنه وجلده، ما يعني أنه بالإمكان أن تحفظ القرآن وتتسبب في موت الناس وغشِّهم، فحفظك للقرآن يفيدك عند القاضي، لكنه لا يفيدنا نحن، لأن المثل يقول: «طالما القاضي راضي... فكل أنت شاورما»!

balbishr@gmail.com

حول الموقع

سام برس