بشير حمادي
منذ عقدين وأسرة الإعلام تحتفل في الثالث مايو من كل سنة باليوم العالمي لحرية الصحافة..ومنذ عقدين، وخاصة في العقد الأول، والصحافة الجزائرية تقد م أبناءها قرابين على مدبح هذه الحرية التي يتغنى بها الجميع ولايطالها أحد..
ويخطئ من يقول أن الصحافة الجزائرية قد انتزعت حريتها بدماء أبنائها الذين اغتيلوا من قبل الإرهاب غدرا في سنوات الدم والجنون، أو بآلام الذين اغتيلت صحفهم، وعلقت مصائرهم وأرزاقهم ظلما من قبل السلطة..
ويخطئ من يقول في رسالة موجهة لأسرة الإعلام ككل سنة، أو في كلمات تلقى على مسامع شلة من أهل المهنة، وسط حشد بعضه لايؤمن بحرية أم أولاده وبعضه الآخر لايتمتع بحريته ممن عقدت عليه، أن الصحافة في الجزائر حرة، من منطلق التراشق ببعض الملفات.. وبنفس الدرجة يخطئ من يقول أن الوصاية هي الي تخنق هذه الحرية، فهي الأخرى مخنوقة،أو أن السلطة هي المسؤولة الوحيدة عن بؤس الصحافة الجزائرية، فنحن كذلك..
ويخطئ من يقول بعد عقدين من صدور العناوين الخاصة أن هذه العناوين مستقلة، ويكبر خطأ من يدعي أو يتوهم أن الخط الإفتتاحي لهذه الصحيفة أوتلك حر أو مستقل، فما لم يحتويه النظام بمختلف أجهزته وزمره ورموزه بالتملك، أحتواه مال "البقارة" القذر، وخنق أنفاسه، وحول الصحف إلى عناوين "للريع والترعوين" العشرات منها لاتعرض في الأكشاك، وتباع أمام المطابع بنفس الطريقة التي تباع بها الخضروات..
إن الإحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة يظل مناسبة للتذكر والتدبر.. تذكر من قدموا أرواحهم في سبيل هذه المهنة النبيلة وحريتها، وتدبر مايمكن فعله من أجل الوفاء لتضحياتهم، والعمل على تحقيق حرية الصحافة الجزائرية فعلا، وأساسا حرية تدفق المعلومات، وحق الصحفي في الوصول والحصول عليها..
والمدخل للحديث عن حرية الصحافة لايمكنه أن يكون إلا عن طريق رفع المظالم عن الصحف، التي لايريد حتى زملاء المهنة الحديث عنها لافي رسائلهم العديدة إلى المنظمات والهيئات الدولية التي يتباكون فيها عن حرية التعبير، ويعدّدون فيها مظالم السلطة للصحافة، ولاحتى في هذا اليوم الذي تستيقظ فيه بعض الضمائر..
وفي مقدمة هذه المظالم، تعليق عدد من الصحف بقرارات سياسية صادرة عن وزير الإعلام أو وزير الداخلية منذ أكثر من عشرين سنة، رغم أن مرسوم حالة الطوارئ ينص صراحة أن توقيف صحيفة لايجب أن يتجاوز ستة أشهر، ورغم تبرئة المحاكم لمسؤولي نشر ورؤساء‮ ‬تحرير‮ ‬تلك‮ ‬الصحف‮ ‬من‮ ‬التهم‮ ‬المنسوبة‮ ‬إليهم‮، ورغم إلغاء هذا المرسوم..‬
والمخرج من الوضع الموبؤ للصحافة الجزائرية هو أن تنظف الساحة الإعلامية من الشوائب التي علقت بها وحولتها مع الأيام والسنين إلى مايشبه "مزبلة عمومية" تتفتح فيها بعض الورود التي تتباهى بها السلطة أمام الرأي العام الدولي، بينما تمثل أغلبية العناوين، النفايات التي تمنح الورود المتفتحة الحيوية والنضارة..
وإذا ظل المدخل بيد السلطة وحده، والمخرج كذلك فإن حرية الصحافة ستظل أكذوبة كبرى، وإحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة قد يتحول مع تعاقب السنين إلى مناسبة لرثاء ماضاع و التباكي على الأوضاع..

*نقلا عن "الحقائق" الجزائرية

حول الموقع

سام برس