علا عمر
اليهود فى أمريكا لا يحاولون خلع أحد الحكام مباشرة، وإنما يقومون بتشكيل جماعات تشكل ضغط لوبى فى الكونجرس وفى الصحافة، وفى الإذاعة، وفى التلفزيون ليكون لهم تأثير على الرأى العام، وبالتالى على الحاكم مهماً كانت قوته، أن يحسب للرأى العام ألف حساب، بعكس الحركات الإسلامية فى العام الماضى.
أخطأت الحركات الإسلامية فى الماضى لأنها حاولت ضرب الحاكم وقلب النظام، فدخلوا السجون والمعتقلات وقضوا معظم حياتهم بها، بدلاً من دخول البرلمان، وبمبدأ القانون فقط أخطأت الحركات الإسلامية مرتين، مرة فى حق الحاكم ومرة فى حق الإسلام، لأن سلاحهم كان الإرهاب لا الإسلام، فالإسلام دين إقناع، والذى يقع فى خانة الإرهاب شيئا آخر اسمه "الجريمة".
التضحية بالنفس من أجل طلب التغيير أمر عظيم له شروط لابد أن تتوافر وتكتمل ولا تأتى مراراً وتكراراً بل تأتى فجأة، نتيجة تراكم طويل، لتخرج كتل بشرية مندفعة واضعة كرامتها فوق كل اعتبار، حتى فوق حق الحياة.. أن تكون حياة كريمة أو لا تكون.
التراكم الطويل والتضحية من أجل التغيير يسمونه من بالحكم أو من ساء حظه وكان بالحكم أثناء الثورات (عمل عشوائى اعتباطى) لزمرة خارجة عن القانون، أو لرعاع ليس لهم سوى التدمير، أو على الجانب الآخر مجموعة دينية مذهبية معارضة لسياسة وسيادة الحاكم، يريدون الاستحواذ على جزء من التاريخ أو الاستقواء به، ومن فى الحكم وبعض النخبة المؤيدة كما يطلقون على أنفسهم، نظروا إلى الثورات وحركة التغيير فى الوطن العربى باعتبارها مؤامرة مشبوهة من صنع الخارج، وبمساعدة أجهزة المخابرات العابثة، "نسترجع معاً خطب د مرسى" و"أصابع خارجية وأصابع داخلية تعبث بالوطن"، بزعم العقلانية والخوف على مصلحة الوطن والخوف من الاختراق الخارجى الذى هو موجود بالفعل فى الداخل.
ما نحن فيه وما نمر به الآن يُلخص جملة مفيدة من كلمتين أن "الثورة مستمرة" لأن الثورة لا تعلن عن نهايتها، ولا تستأذن قبل أن تندلع، وليس لها خطط مسبقة، عندما اندلعت الثورات السابقة كالثورة الفرنسية عام 1789 والثورة الروسية عام 1917 والثورة الإيرانية عام 1979 لم يكن لها أى مستشارين أوحتى من تستأذنه أو تأخذ رأيه، قبل أن تندلع وتنطلق شرارتها فى مفاجأة كبيرة لدرجة الصدمة، خصوصاً إذا كانت لا تنطبق مع تصورات وتوثيقات أجهزة الأمن وأجهزة المخابرات المحلية والعالمية.
استنباطا من خطاب دكتور مرسى فى عيد العمال، والشرطة وخلافه، لم يعد التغنى بالجماهير كافياً لأن تلك الكتل البشرية التى أمامك لم تعد كومبارس، كومبارس تبتسم، وتهتف ثم تهتف بشدة وتقاطع كلامك وتصفق وتهلل، وهى محاطة بالأمن الوطنى والحرس الجمهورى من جميع الاتجاهات، تلك الكتل البشرية أصبحت واقع حسى ملموس له خواص وله متطلبات وشروط، حسب تاريخ الثورات، الثورة دائما فى جوفها النبل والروعة مثلما يوجد السوء والقبح، والدليل أن الثورات جميعها، وثورتنا المصرية التى عشناها جميعا استحضرت أعمال العنف والانفلات الأمنى وما يصاحبه من مظاهر نهب وسرقة وتجاوز على المال العام، وأعمال البلطجة، خرجت مصطلحات الربيع العربى الذى أصبح ينادونه (خريف) عربى، والثورة التى أصبحت ثورة مضادة، والتغيير الذى أصبح يطلقون عليه تدمير، وبمناسبة تغيير الحكومة أُوجه رسالة للمعنيين، إن التغيير الذى نسعى إليه تغيير (فى العمق وليس نقراً على السطح ) فلن يجدى تغيير بعض من شلة المسئولين، فهذا ضياع للوقت والجهد، لأن النظام بالكامل ليس لديه قدرة على الاحتواء واختيار أشخاص لها كفاءة، وليس بناء على اتجاهات إسلامية للاستفادة منها، ما فائدة البرامج والصياغات والتشكيلات والخطط المستقبلية المبنية على أخطاء وعدم خبرة، وتصورات البعض الذى ليس لديه خبرة؟ مرة أخرى لحظة الإرادة الجماعية الحرة تتخطى البرامج والخطط المستقبلية تنطلق من واقع وعن إقناع، عندما ينتقل الخوف من المحكومين إلى الحكام وهو ما حدث لجميع الثورات الكبرى سواء الثورة الفرنسية أو الثورة الروسية أو الثورة الإيرانية، أو الثورة الروسية، التى تأكل فى طريقها جميع القيادات القديمة والجديدة، مثلما يتم خلع رموز النظام السابق فى المراحل الانتقالية للثورات.
الصراع المستمر الذى حدث فى مصر أدى إلى إلغاء رموز النظام الجديد مع الأخطاء الناتجة عن التخبط وعدم الخبرة، فالثورات العربية انطلقت بتوجه ديمقراطى، وتدعو إلى دساتير ديمقراطية وانتخابات حرة ونزيهة، رفعت شعارات ضد الاستبداد من أجل الحرية والكرامة، ومحاربة الفساد ولكن انقلب السحر على الساحر، لأنه لا يوجد نظام مبنى عليه أى شىء واتسعت الفجوة بين الحاكم والمحكوم، وفقد الصندوق شرعيته.

حول الموقع

سام برس