د. عبده البحش
لا شك أن التطرف والتعصب والجنوح إلى العنف والإرهاب ظاهرة مرفوضة ومحل استنكار وإدانة الجميع، ونحن دائما نلقي باللوم على الإرهابيين ونجلدهم على تصرفاتهم وأفعالهم، التي هي بالفعل جرائم يندى لها جبين الإنسانية، حيث برزت هذه الظاهرة إبان الجهاد في أفغانستان وتزايدت مع مرور الوقت شيئا فشيئا، حتى صارت ظاهرة منتشرة في معظم البلدان العربية والإسلامية، وبهذا أصبح الإرهاب قرينا للإسلاميين أو الجماعات الإسلامية المتشددة.
لقد حاولت الجماعات الإسلامية، منذ نشأتها وحتى يومنا هذا إعادة دولة الخلافة الإسلامية من خلال مشاركة تلك الجماعات في الحياة السياسية وخوض غمار الانتخابات مثلها مثل الأحزاب السياسية الأخرى، إلا أنها فشلت في الوصول إلى سدة الحكم بسبب حضر تلك الجماعات من ممارسة أنشطتها السياسية وحرمانها من حقها في خوض الانتخابات ونيل فرصتها المشروعة في الوصول إلى الحكم، أو من خلال إقصاء الجماعات الإسلامية بعد فوزها في الانتخابات عن طريق الانقلابات العسكرية، مثل ما حصل في تركيا عدة مرات ومثل ما حصل في الجزائر في تسعينات القرن الماضي، أو كما حصل من انقلاب والتفاف على حركة حماس بعد فوزها على حركة فتح، ومثل ما جرى أخيرا من انقلاب عسكري واضح على جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد أن فازت بالانتخابات.
نحن دائما وللأسف الشديد نجلد الظاهرة جلدا عنيفا، أي ظاهرة الإرهاب دون أن ننظر إلى أسبابها وبواعثها، التي أوجدتها وساعدت على انتشارها وتفشيها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وحتى على المستوى الدولي، ولو أننا تأملنا في نشأة هذه الظاهرة وتناميها والأسباب التي ساعدت على انتشارها وتناميها والخلفيات التي تقف وراء هذه الظاهرة وتغذيها وتمدها بأعداد كبيرة من الأتباع والجنود والكوادر البشرية.
إن الباحث الحصيف والملاحظ النبيه في ظاهرة الإرهاب، يجد أن هناك مبررات منطقية تدفع بتلك الجماعات إلى التطرف والعنف والإرهاب والقتل بوحشية ومن دون أدنى رحمة أو إنسانية، وتلك المبررات كثيرة ومتعددة غير أنني سأكتفي بالإشارة إلى أهمها وأبرزها وهو الاستبداد والديكتاتورية، التي لم تسمح لتلك الجماعات الإسلامية بالتعبير عن نفسها وإتاحة الفرصة لها بالمشاركة في الحياة السياسية، كما أن الإقصاء والتهميش والقمع لتلك الجماعات مبرر آخر، تشكل من خلال الانقلابات العسكرية على تلك الجماعات وإقصائها من الحكم بعد أن فازت بانتخابات ديمقراطية حقيقية.
وبالنظر الى ما تقدم نستطيع القول ان من نسميهم جماعات اسلامية ارهابية، هم في الحقيقة ضحايا وليسوا ارهابيين، اذ ان ابجديات العدالة تحتم علينا قول الحقيقة ولو كانت مرة او انها لن تروق للبعض وربما للكثيرين، وتلك الحقيقة هي ان الجماعات الاسلامية ضحية العنف والاستبداد والقمع والقبضة الامنية الحديدة والاقصاء والتهميش والظلم الاجتماعي، وان الارهاب الصادر من تلك الجماعات، ما هو في الحقيقة الا نتاج وردة فعل وانعكاس طبيعي لما تعرضت له من تنكيل وسجن وملاحقة، ولذا فان تلك الجماعات هي ضحية الارهاب وليست جماعات ارهابية وانما ارغمت واجبرت على ان تكون ارهابية.

حول الموقع

سام برس