بقلم / محمد ابراهيم
" سيري رغم كل الصعاب، مهما في طريقش حصل
للقُدّام يا القافلـــــــة، حتى للمراحل طـــــوال".
قد يكون هذا البيت الشعري -المغنىّ بصوت الفنان علي صالح اليافعي- يحمل في طياته ألم اليمن بأسرها واستمرار خسارة قاربها المتكررة في يَمِ السباقات الإقليمية والدولية منذ خمسين عاما حيث بقي ترتيبها الأخير في امتحانٍ جرى بنكهة السخرية، وبمعطيات تستدعي استخدام العقل والمنطق والوجدان اليمني لمراجعة الحكمة اليمانية..

قبل الدخول في تفاصيل قصة هذا الامتحان العالمي تجدر الإشارة إلى أني تذكّرت هذا البيت الشعري وأنا غارق في قراءة استعادية لكتاب(اليمن من الباب الخلفي) للمستشرق الألماني " هانز هولفريتز - ترجمة خيري حمّاد"، والذي يحكي مغامرة رحالة عالمي أراد زيارة عُمْق العربية السعيدة "مأرب" حيث عرش "بلقيس" الملكة التي خلّد الله قصتها في القرآن الكريم، ومن باب اليمن الخلفي "حضرموت" في مطلع ثلاثينيات القرن المنصرم، خوفاً من الإمام يحيى حميد الدين، الذي منع هذا المستشرق من زيارة مأرب قبل عام ، وأثناء زيارته الأولى لصنعاء عبر باب اليمن الغربي "ميناء الحديدة"..

الشاهد في هذا البيت الشعري من الكتاب (الذي صدر مترجماً في مطلع ستينيات القرن المنصرم) هو أن القافلة اليمنية لا زال سيرها بنفس الظمأ والأسى والخسران منذ ذلك الزمن الذي عاشه المستشرق الألماني في رحلته عبر رملة السبعتين، وصولاً إلى حريب وإلى مأرب وإلى صنعاء، وكما لو أنه يصف مشكلة اليمن في تاريخنا الحاضر، حيث تعدد بؤر الصراعات القبلية والسياسية لولاءات خارج السياق الوطني، ومعطيات ديمومة واستدامة هذا الصراع الذي يعيد نفسه بأشكال مختلفة، وفي لعنة تاريخية تطارد اليمنيين منذ "تفرّقت أيدي سبأ" بعد أن أنجزهم الله طلبهم بأن يباعد بين أسفارهم..

فما الذي يجري اليوم على أبواب مأرب وعرش بلقيس وثروة اليمن ومصدر ضوئها ووقود حياتها اليومية.. ؟! غثاء السيل عبر الشبكة العنكبوتية ومواقع لا حصر ولا عد لها تعكس- رغم كل فتنها السياسية وأكاذيبها- واقعاً سياسياً كارثياً إن لم يتداركنا لطف الله، وما تبقى من أصحاب العقول والحكمة اليمانية، قبل أن يغرق قارب النجاة بالجميع، ويبدو الأمر أمر من ذلك في ظل تعدد المشاريع السياسية التي أربكت المواطن فتاهت به الزوبعات عن سُبِل الأمل بالسلام..
القارب يشارف على الغرق، والأمل في الله كبير إذ لم يعد للحكمة اليمانية بعد صمودها الأسطوري حتى اللحظة، سبيلاً في معترك أمواج السياسة وصراعات المصالح الضيقة، لقد ظلت الحكمة اليمانية تغالب الأزمات الأجد والأمرّ-منذ مطلع 2011م حتى اللحظة- بمخارج السلام بَيْد أنها كانت تنتج كل يوم معطىّ جديداً لأمراء توّاقون للقيادة، يتزاحمون ويتصارعون على إدارة قارب النجاة، الذي تأخر عن ركب الإمتحان ألف مرة ومرة، بل أعلنت نتائج عشرات الأشواط والقارب لم يكمل المشوار الأول، ولم يصل إلى الساحل مرة واحدة على الأقل..

قصة القارب اليمني مؤلمة فقد خاضت اليمن – حسب توصيف إداري ساخر لكنه طرق مفتاح الواقع- مسابقة عالمية لـ(20) دولة، يمثل كل دولة قارب يعمل بالطريقة البدائية في السير، أي المجاديف، وفي كل قارب (20) جدّافاً، وتكررت المسابقة سنوات وكان ترتيب اليمن الدائم هو العشرون، فيما اليابان أحرزت الترتيب الأول، والصين الثاني، ومن ثم الدول الأخرى حتى اليمن في الأخير.. التحليل الفني والإداري للنتائج أفاد أن القارب الياباني، اختار مديراً واحداً و19 جدّافا، بينما قارب الصين اختار مديرين و18 جدافاً، وبنفس المنوال حتى وصل القارب اليمني، الذي اختار جدافاً واحداً و19 مديراً يتنازعون إدارة هذا الجدَّاف..

خلاصة القول: هل تنتهي المهزلة اليمنية في الصراع على الكراسي والمناصب والسلطات..؟ وهل يقف اليمنيون جميعاً إلى جانب الجداف الواحد لحل معضلة مأرب الذي فيه النفط والضوء والعمق الحضاري للبلد..؟! أم ستدخل البلاد جرفاً حالكاً، حُفر لها داخل النفق المظلم ؟! وهل يتعاون الجميع في جدف الفساد والصراع السلطوي والتنازل عن المصالح الشخصية والحزبية، ليعبر قارب التسوية السياسية إلى شاطئ الأمان..؟! فاشتعال الحرب في مأرب يعني الضربة القاضية على كل مقدرات البلد.
نقلا عن الثورة

حول الموقع

سام برس