علي ناجي الرعوي
قبل نحو أسبوع من احتفالهم بالذكرى الثلاثة والعشرين لإعلان وحدتهم وقيام جمهوريتهم الثانية التي التأم فيها وطنهم المشطر في كيان سيادي واحد مازال اليمنيون يتساءلون عن الوحدة
التي حلموا بها والدولة المدنية الحديثة التي كانوا يتطلعون إليها قبل عقدين من الزمن بوصفها واحدة من الاستحقاقات الحتمية لهذا العصر والتطور والرفاه الاجتماعي الذي كانوا ينتظرونه
والأمن والاستقرار الذي وعدوا به خصوصاً وهم يرون مشهد الإخفاقات يتكرر عاماً بعد آخر.. فقيم الوحدة تتراجع تحت إيقاع الدعوات الانفصالية المنفعلة والنزعات المناطقية والجهوية التي
حولت بعض المطالب المحقة من مشكلات يمكن حلها بالطرق القانونية إلى معضلات عصية على الحل.
بيد ان غالبية اليمنيين يتساءلون بعد كل هذه السنوات بماذا سيحتفلون والوضع الاقتصادي يزداد تدهوراً ومعدلات البطالة بين صفوف الشباب تستفحل وتنذر بفواجع قادمة والانقسام السياسي
يعطل أي اتفاق أو توافق يخرج البلد من نفق الأزمات المتصاعدة ومؤشرات الفقر تنهش في 70% من السكان بعد ان تلاشت الطبقة الوسطى وانحسر الثراء عند فئة قليلة لاتتجاوز 10% من
اليمنيين وهو أمر لا يبشر بأي خير لمستقبل اليمن.
وتغدو مثل هذه التساؤلات أكثر وجاهة ونحن نجد أن الأمور لم تتغير وهموم الناس لم تتبدل وأهداف القائمين على الحكم تتموضع بثقل ظاهر في قلب التجاذبات السياسية والحزبية وسخط
شركاء السلطة الذين لا تهمهم سوى مصالحهم واستمرار هذه المصالح حتى لو كان الثمن انزلاق البلاد إلى هاوية الفشل والانهيار على أعين الجميع.. والمؤلم أكثر انه وفي الوقت الذي
جاءت فيه الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها اليمن عام 2011 م لتدق جرس الخطر وتدعو إلى صحوة تعيد ترتيب الأولويات فإن هناك من يصر على بقاء الحال على ماهو عليه حتى بعد أن
انتقلت دفة الحكم إلى ضفة أخرى وتوزعت كراسي الحكومة بين الجميع.
وبطبيعة الحال فإذا ما كانت عملية الإصلاح والبناء تتطلب وقتاً طويلاً فلا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أن يستمر تجاهل أولويات بناء الدولة الحديثة والأحداث الناجمة عن الخلل
الأمني والانهيار الاقتصادي على أمل أن تأتي الحلول من الأطراف الخارجية الراعية للمبادرة الخليجية فأمام عجز الدولة عن حسم أمر الاعتداءات على خطوط وأبراج الكهرباء وتباطؤ
الأجهزة الأمنية في ممارسة دورها في القبض على من يقترفون هذه الجريمة التي تلحق الضرر البالغ بحياة الناس فمن غير الممكن أن نؤسس لاستقرار سياسي وأمني واقتصادي دائم كما أنه
وما لم تسارع الدولة أيضاً ألى معالجة المظالم والمطالب الحقوقية التي تغذي الأزمة المستعرة في الجنوب وتفويت الفرصة على التطلعات الانفصالية التي أخذت زخماً أكبر في الأشهر الأخيرة
فإن وحدة البلاد قد تصبح جزءاً من الماضي.
وفي تقديرنا ان أي حديث عن استقرار اليمن من قبل الأطراف الإقليمية والدولية وفي المقدمة منها دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الإوروبي والمؤسسات
المانحة لا يضع نصب عينيه قيام جميع هذه القوى بدعم مشروع مارشال لإنقاذ اليمن وإخراجه من النفق المحشور فيه فإن أي حلول ستبقى مجرد مسكنات موضعية لا تنطوي على معنى مهم
يمكن البناء عليه فاليمن يحتاج إلى أكثر من الوعود وأكثر من عبارات التشجيع التي برزت آخر مفرداتها فيما جاء في ثنايا برقية الرئيس الأمريكي باراك أوباما لنظيره اليمني عبدربه منصور
هادي بمناسبة العيد الوطني لقيام الوحدة والتي أعلنت عن تفاصيلها وسائل الإعلام اليمنية السبت الماضي.
فبالقدر الذي عبرت فيه تلك البرقية عن أن استقرار اليمن لم يكن مهماً في يوم من الأيام بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية بقدر ماهو اليوم فلم يلحظ فيها ما يؤكد على أن الإدارة الأمريكية
تتبنى خطة دولية لإعادة إعمار اليمن وتحقيق التحول السياسي والاقتصادي الذي يمكنه من التغلب على معضلاته القائمة على الرغم من إشادة الرئيس أوباما بما أنجزه اليمن من تقدم على
صعيد مسيرة الإصلاح ومواجهة تهديدات تنظيم القاعدة وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة ومع ذلك فإن ما ينبغي أن تدركه الولايات المتحدة الأمريكية ان استقرار اليمن وإن
كان يمثل مصلحة وطنية فإن فيه أيضاً مصلحة لواشنطن ودول الإقليم والعالم بأكمله بحكم موقع اليمن الاستراتيجي الذي يطل على مضيق باب المندب الذي يعد من أهم الممرات المائية
في العالم لكونه الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط وقناة السويس.
وبالتالي فمالم تتحول الوعود إلى وقائع على الأرض فإن اليمن سيظل تحت رحمة الإرهاب والفوضى والبطالة المتفشية والصراعات الداخلية إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
جريدة الرياض

حول الموقع

سام برس