عبدالله بجاش
هذا العنوان ليس من عندي وإنما عنوان لقصة قصيرة كتبها عملاق الأدب الروسي أنطوان تشيخوف والذي يعتبر هامة في كتابة القصة القصيرة على مستوى العالم على الرغم من أنه درس الطب لكنه أبدع في الأدب وهو القائل الطب زوجتي والأدب عشيقتي .. وبالعودة إلى عنوان القصة والتي تترك أثرا في النفس لمن يقرأها لما فيها من دراما رائعة تتحدث عن مأساة إنسان فقير وبسيط أسمه (أيونا) يمتلك بما نسميه بلهجتنا اليمنية (قاري) ينقل به البشر وأمتعتهم مقابل بعض من النقود لمواجهة الحياة المعيشية اليومية لأسرته في ظل فقر مدقع.

وذات يوم توفي ابنه وهذا هو المهم الذي تدور حوله القصة فحزن صاحب القاري حزنا شديدا على إبنه وضاقت به الدنيا لما يحمل من ألم على فراقه فكان يحاول التخفيف من ألمه وحزنه عندما ينقل زبوناً يروي له كآبته وحزنه على ابنه .. لكن لم يصغ إليه أحد لأن كل زبون ينقله إما يكون في رأسه موال أو مشغول بأموره أو مستعجل للوصول إلى مقصده أو لا يجد الوقت للإصغاء إليه. وفي نهاية يوم مضن وشاق من العمل جلس ( أيونا ) أي صاحب القاري بجوار حصانه وقال له بحزن عميق ، يا حصاني العزيز لقد عرفت ما جرى لم يعد هناك من ينادي (كوزموانيتش) وهو اسم إبنه المتوفى ، لقد رحل ابني بعيداً وترك فراغا كبيرا في قلبي وفي منزلي .. لقد مات دون سبب يعرف ، رحل دون أن يقول وداعا تاركا في صدري ألما وحزنا ثقيلين ، هل تسمعني يا عزيزي الحصان؟ .. لنفترض الآن أن لديك أبنا تحبه وتعيش وتعمل بكل ما لديك من قوه من أجله ، وفجأة توفى دون سبب وتركك تعيش وحيدا ، لاشك أنك ستكون تعيسا وحزينا طول عمرك ، ألا تعتقد ذلك ؟ الحصان يمضغ ما في فمه والدموع تتقاطر من عيناه ثم يتنهد بحرقة حزنا على أيونا.

أحس أيونا أن مشاعر وإحساس الحصان تشاطران حزنه في لحظة هي أشد وأصعب من أن يتحملها لوحده ولم يستطع كتمانها لأنه بحاجه لأحد ما يستمع إليه وهو يروي حكاية وفاة ابنه المفاجئ لكنه لم يجد أحداً يصغى إليه فاتجه إلى صديقه الحصان ليحكي له القصة كاملة.
هذا ملخص متواضع للقصة الرائعة التي كتبها تشيخوف قرأتها في السنة التحضيرية للغة الروسية في جامعة خاركوف أبان الحقبة السوفيتية.
اليوم أستحضر هذه القصة وأنا محاصر بين الحزن والألم كمثل بقية اليمنيين أبحث بين ثقوب جمجمتي عن السبب غير المعروف الذي أدى إلى جنون سفلة الإرهاب الخسيس ليقتلنا صباحا ومساء بالمشاهد الدموية المؤلمة للجثث المتفحمة والأشلاء المتناثرة لمواطنين أبرياء اختطفت أرواحها السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة من الأماكن الأمنة بدون سبب .. نصرخ كفى قتلا وتدميرا في هذا الوطن الحزين ولم يسمعنا أحد، الأمهات يبكين أمام شاشات التلفزة وهن يشاهدن نعوش فلذات أكبادهن المغدور بهم ويصرخن من قساوة المشهد وألم الرحيل المفاجئ ولم يجدن من يسمع صرخات آلامهن وأوجاعهن لأن الجميع مشغولون كل في أمره وبعد مصالحه وهي مصالح ثمنها أرواح الأبرياء.. إذا لمن نحكي آلامنا وأوجاعنا وكآبتنا من القتل اليومي وأنين الوطن من تحت أقدامنا في ظل آذان من طين وأخرى من عجين .. إننا نكتم أنفاسنا صبراً لأننا لا نملك أحصنة نشكو إليها لتشاركنا أحزاننا وآلامنا وكآبتنا .. فحسبنا الله ونعم الوكيل.
نقلا عن الثورة

حول الموقع

سام برس