علي بارجاء
قد يثير العنوان عند بعض القراء ذكرى الثورة الثقافية التي حدثت في الصين إبان شيوعية ماو تسي تونغ، تلك الثورة التي ثارت على كل قديم حين صنف تحت اسم الرجعي، ولكن ظلت الصين في ذلك العهد برغم قوتها فقيرة، ولكنها ما إن تخلت عن الماوية، عادت إلى استلهام تاريخها وثقافتها العريقة؛ وجعلت ثقافتها المعاصرة مبنية على الماضي وإضافة إليه؛ وتحولت إلى مسايرة العالم وخلق علاقات تقوم على الحفاظ على مصالح الوطن والشعب وتطوير اقتصاده باتباع سياسة التجارة الحرة؛ حتى صارت اليوم أكبر دول العالم تطورا، وصارت تنافس الدول الكبرى حضورا على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
الثقافة هي الأصل الذي تتقدم به الشعوب، وتبنى به الأوطان وتتطور، وهي مجموعة المعارف والقيم التي تتناقلها الشعوب انطلاقا من ماضيها، وما تضيفه إليها الأجيال المتتابعة، وتتميز الأمم والشعوب عن سواها بمقدار ما لثقافتها من عراقة وأصالة وجودة، وبمقدار ما تظهر هذه الثقافة في سلوك وممارسات الإنسان على الواقع، فليست الثقافة نصوصا مدونة على الأوراق، ولا أحاديث على الألسن، بقدر ما هي أفعال وتطبيق.
نعلم أبناءنا كثيرا من العلوم والقيم، وتمتلئ مناهجنا التعليمية بها، فيتلقونها ليحفظوها عن ظهر قلب، ليمتحنوا فيها فقط، ولا يهمنا بعد ذلك إذا تحولت هذه المعارف والقيم إلى ثقافة تتنامى عاما بعد عام.
الكبار منا اليوم تعلموا وتربوا على هذا الأسلوب، فلم يستفيدوا مما تعلموه ليجعلوه ثقافة، ولو فعلوا لكان حالنا اليوم مثاليا.
تعجب حين تعلم أن شخصا درس في جامعات عالمية حتى حاز شهادة عليا، فإذا عاد إلى اليمن، عاد ليمارس حياته كقبيلي، ويمارس ما لا ينبغي أن يكون مقبولا في مجتمع يطمح أن يكون مدنيا.
الخلل هنا ثقافي بالدرجة الأولى، لأن الثقافة بمفهومها العام هي تحويل المعارف إلى أفعال إيجابية تؤسس لحياة إيجابية.
وما دور وزارات التربية والثقافة والإعلام والإرشاد، إلا نشر وتعميم ودعم الجانب المعرفي الروحي الذي يشكل الأساس الثقافي في الإنسان، وتنميته وترقيته ليكون فردا إيجابيا صالحا في مجتمعه.
لأنه يراد لنا أن نظل أمة سلبية متخلفة قابلة للتأثر بما يملى عليها؛ كانت تلك الوزارات التي يعول عليها في بناء الإنسان معرفيا وثقافيا، وكذا المؤسسات ذات العلاقة بهذا الشأن، هي أكثر الوزارات والمؤسسات فشلا في أداء دورها وواجبها، وهذا ترك أثره في الأجيال على مدى عقود من الزمن.
مشكلتنا إذن ليست سياسية، إنها ثقافية في الأصل، ولو كانت ثقافتنا سوية؛ لكان واقعنا السياسي سويا.
نحن بحاجة إلى ثورة ثقافية حقيقية ليست كالثورة الثقافية في الصين، بل ثورة تعيد فهمنا لماضينا الأصيل وما فيه من إشراقات، وفهم لأدوارنا وواجباتنا تجاه وطننا وأمتنا، وهذا لن يكون إلاّ بأن تتبنى كل المؤسسات خطابا مغايرا يزيل ترسبات ما علق في نفوسنا وأذهاننا من قيم وممارسات سلبية ستظل تبقينا في مواقعنا، بل تعيد خطونا القهقرى لنعيش حياة تليق بوطن حضاري عريق اسمه اليمن.

نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس