بقلم / علي ناجي الرعوي
أتفق تماما مع الأستاذ والأديب الكبير عبدالعزيز المقالح أننا بقليل من إعمال العقل وما بقي من أثر للحكمة وقليل من استرجاع التاريخ والاستفادة من معطياته ودروسه نستطيع إعادة ترتيب الأوراق ومن ثم رسم خريطة واقعية للخروج من نفق الأزمة التي تعصف بوطننا.

واتفق كليا أيضا مع السياسي والمثقف الدكتور صالح باصرة أن اليمن مهدد في اللحظة الراهنة بالتدمير الاجتماعي والسياسي والوطني وأن هذا التهديد يقتضي من كل اللاعبين على الساحة الوطنية التنازل لبعضهم البعض من أجل الوصول إلى حل وسط من شأنه حلحلة الاحتقان الحاصل والعبور بالبلاد إلى بر الأمان.
وأمام هاتين الرؤيتين للأستاذين الكبيرين نجد من الطبيعي جدا أن تتعدد وتتنوع زوايا النظر إلى تداعيات الأزمة اليمنية وأن تختلف أيضا سياقات التعاطي مع تطوراتها المتسارعة مع ذلك فما يبدو أن ما نفتقد له اليوم هو الرشد السياسي ومنطق العقل والحكمة اللذين أصبحا في حكم الاستثناء بعد أن هيمن علينا المنطق القهري للأزمة الممسكة بنا وبالبلاد منذ عدة أشهر والتي تحتاج ككل أزمة إلى ذخيرة من الحلول والمعالجات حتى يتسنى التغلب على تعقيداتها وتجاوز منعطفاتها باتفاق التيارات والمكونات والجماعات على ذلك الحل الوسط رغم قناعة الكثير من أن هذه المكونات لا تفكر بمثل هذا الحل لكونها التي لم تمل من الدوران حول نفسها وصراعاتها وخلافاتها وأنها التي لم تعد تضع اعتبارا لمصلحة هذا الوطن أو أوجاع شعب يطحنه الفقر والتخلف والفاقة والبطالة.. وهنا تتجلى مشكلة اليمن الحقيقية .. مشكلتها التي تلد كل يوم ألف مشكلة .. مشكلتها المستعصية على كل الحلول .. مشكلتها التي يتأكد من خلالها أن اليمن لن تخرج أبدا من أزماتها طالما أن اللاعبين فيها لم يدركوا حتى الآن أن خلافاتهم ونزاعاتهم وصراعاتهم المنفلتة على السلطة والنفوذ قد كلفت هذا البلد أثمانا باهظة دفعها ولا يزال يدفعها حتى اليوم.

وكأن هؤلاء لم يتعلموا من تجاربهم وتجارب الآخرين لذلك فهم يكررون أخطاء الأمس وقبل الأمس والتي كان الغائب الأول فيها هو الشعب اليمني الذي يتحدث الجميع باسمه وبالنيابة عنه في دوامة قاتلة يتم فيها التلاعب بهذا الشعب وبعواطفه وأحلامه وأمانيه ونكئ جراحاته من خلال التنظيرات الفاشلة والوعود الفارغة عن الاصلاح والتغيير والحكم الرشيد والدولة المدنية الحديثة.. فالكل يدعي معرفة ما يريده هذا الشعب والكل يقدم نفسه معبرا عن طموحاته وتطلعاته في ما هذا الشعب المطحون من يظهر مكمم الفم مكتوف الأطراف وغير قادر على أن يرفع صوته ليقول ماذا يريد .

لقد عرفنا خلال الـ 25 عاما الماضية كيف تفكر قيادات الأحزاب والتيارات والجماعات والأطراف النافذة على الساحة اليمنية من خلال سلسلة طويلة من التجارب السياسية والاجتماعية وآخرها دورات الحوار التي لم تنقطع منذ عام 2009م حيث برهنت هذه المكونات قديمها وجديدها في كل تلك المحطات الحوارية على أنها التي مازالت تعمل ضمن استراتيجيات إقصائية أو الغائية وأنها التي ترفض تقبل فكرة تداول السلطة وفق لعبة سياسية منتظمة وبايقاع ينحصر فيه التنافس على البرامج السياسية وليس على التنافس في توليد الأزمات وإعادة انتاجها بل أن المتتبع لواقع حال هذه المكونات سيجد بغير كثير من التأمل والتفكير أنها أخفقت إلى حد بعيد في إنتاج مجتمع سياسي يؤمن بعقيدة سياسية وطنية وانها في مجملها لم تصل في يوم من الأيام إلى حد التوافق الاستراتيجي على ميثاق وطني ملزم يتسامى فيه الجميع على خلافاتهم البينية ويشرعون في عملية بناء تعيد لهذا الوطن هيبته ومكانته الحضارية والإنسانية بين الأمم.

وعليه فإذا كانت غاية هذه المكونات والجماعات والتيارات هي التصارع في ما بينها والانهماك في لعبة تسجيل النقاط بعضها ضد البعض الآخر من أجل التفرد بالسلطة ومن ثم صياغة الطابع السياسي العام للبلاد أو جزء منه وفقا لما يخدم هذا الطرف أو ذاك فكيف نعول على نخبة بهذا التفكير القاصر والعدمي أن تؤسس لثقافة الانسجام والطمأنينة في الوسط الاجتماعي أو أن تؤمن بمبدأ الشراكة الوطنية وهي من استشرت في داخلها الروح الانتقامية وأحيانا أخرى الروح الانقلابية التي أغرقت البلد بالأزمات والاحتقانات والصراعات التي نعيش اليوم أحد فصولها وحلقاتها المتجددة.

نحن في ورطة حقيقية لا لأننا فشلنا في الوصول إلى الحلول للأزمة التي نغرق فيها ولا لأننا اكتشفنا أننا بلد بلا نخب وبلا قوى ضغط لا خشنة ولا ناعمة وبلا مشروع وطني يحمي اليمن من حالة الانحطاط والتدمير والتمزق التي تتهدده ولكن لأننا أسقطنا من قاموسنا مصلحة اليمن بحيث صار كل طرف لا يفكر إلا بمصلحته وأجندة جماعته وحزبه والتيار الذي ينتمي اليه .. فكيف سيخرج اليمن من ورطته إذا كان الجميع لا يريد الخروج منها .. لأن الخروج منها سيخرجهم جميعا من اللعبة.
محبط أن ساستنا والذين يقررون أمر هذا الوطن لم يتعلموا بعد من الدرس السوري او الليبي او الانفصال في السودان والمحبط أكثر أن يطل علينا امس الاول حيدر أبوبكر العطاس من على قناة (العربية ) قائلا : إن من حسنات الأزمة الراهنة أنها من تعزز خيارات انفصال الجنوب وأي جزء آخر من هذه البلاد وليس هذا وحسب بل انه من أكد على أن القادة الجنوبيين بما فيهم علي سالم البيض يتداعون إلى اجتماع قريب سيعقد في إحدى الدول الخليجية لوضع خطة موحدة يلتقي حولها الجميع بغية تحقيق ذلك الهدف (الكارثة ).

الحلول التي يبحث فيها سياسيونا للأسف تقود إلى المزيد من الأزمات وكأنهم أدمنوا صناعتها بل كأنهم هم المتآمرون على هذا الوطن .. فالحل ليس أن يبحث كل طرف على قطعة أو جزء يهمه من اليمن ويترك ما تبقى وإنما الحل الحفاظ على تماسك النسيج الاجتماعي ووحدة اليمن أرضا وإنسانا كما أن الحل الأمثل أن يترك هؤلاء الساسة هذا الوطن المفترى عليه ولا يتحدثون عنه وأن يتعلموا كيف يكونوا عناصر بناء لا معاول هدم ..
يوميات صحيفة الثورة
الحلول التي يبحث فيها سياسيونا للأسف تقود إلى المزيد من الأزمات وكأنهم أدمنوا صناعتها بل كأنهم هم المتآمرون على هذا الوطن .. فالحل ليس أن يبحث كل طرف على قطعة أو جزء يهمه من اليمن ويترك ما تبقى وإنما الحل الحفاظ على تماسك النسيج الاجتماعي ووحدة اليمن أرضا وإنسانا كما أن الحل الأمثل أن يترك هؤلاء الساسة هذا الوطن المفترى عليه ولا يتحدثون عنه وأن يتعلموا كيف يكونوا عناصر بناء لا معاول هدم ..

حول الموقع

سام برس