عبدالله الصعفاني
إذا صحَّت الأرقام التي تقول بأننا ننفق على قطاعي الجيش والأمن ما يزيد أو ينقص عن ربع الميزانية العامَّة للدولة فإننا نكون أمام الاستسلام للهاجس الأمني على حساب هواجس لا تقلّ أهمِّيةً عن الأمن الغذائي والأمن الصحِّي والأمن التعليمي.. ونكون - أيضاً - أمام تهمة العجز في توظيف كل هذه الميزانية على قطاعين متضخِّمين فشلاً في ضبط نفر أدمنوا قطع الكهرباء وتفجير أنابيب النفط على مدى زمني غير قصير.
ولا أظنّ أنني أقع في محظور لو تساءلت : أيّ فائدة من الإنفاق على مئات الآلاف من العسكريين إذا بدوا أمام القاتل وقاطع الطريق والأرزاق والخدمات بلا حول ولا قوَّة؟ وأيَّة قيمة لقطع عسكرية تنهب الأسفلت وتعبر الأجواء وتمخر عباب الماء إذا كانت البحرية لا تحمي صيَّاداً ولا تدافع عن بيئة بحرية ولا حتى تأخذ منحى اقتصادياً يفضي إلى وفرة الأسماك وسهولة شرائها من سوق السمك؟
وكيف لي كمواطن أن أطمئن إلى أداء نسور الجو إذا هم فشلوا في تنقية البؤر التي تهدِّد وجودهم وتقود إلى تساقط الطائرات على الآمنين في منازلهم؟
ومرَّة ثانية كيف لي أن أفاخر بالطقوم العسكرية وما تحتويه من البشر والحديد إذا غابت العملية الأمنية الأرضية التي تقبض على عتاة الإرهاب والتطرُّف والتخريب في مناطق معلومة.. حتى صار بعضنا يتساءل : أين الطائرة بدون طيَّار؟
وكلا.. فالعيب ليس في المفاهيم التي طالما أكَّدت على أهمِّية كون الجيوش هي للدفاع وللإعمار.. وأن أجهزة الأمن وجدت ليأمن الناس على أموالهم وأعراضهم وطريقهم.. العيب هو في الممارسة وفي أداء الوظائف والأدوار.
لقد أخذتنا الحماسة في عقود كثيرة لأن نكيل المديح والثناء على الكاكي العسكري ليس في اليمن فحسب.. وإنَّما في الوطن العربي مدفوعين بالحلم في أن يكون هؤلاء دروع الوطن ضدّ توحُّش أعدائه في الخارج ودروع المواطنين ضدّ عتاة الجريمة ومعاول الإرهاب في الداخل.. غير أن الأعداد والعتاد أبقت الناس عند ذات الشعور بالخوف وذات الإحساس بعدم الأمان.. أتذكرون الشاعرة التي عرضت ألف أديب مقابل إعطائها خوذة جندي؟
لأكثر من نصف عقد من الزمن ونحن ننفق جزءاً كبيراً من الموازنة على التسليح ونتفاخر بقدرتنا على تنويع مفردات القوَّة.. لكن هذه المفردات بقيت عند ذات دورها كأدوات صراع داخلي تتجاذبه الحالات الانفعالية خارج قواعد الرؤية السليمة فيما لم ينجح أحد.
وحتى لا نفقد الأمل في أداء مؤسَّة ينبغي أن تنتزع من المواطنين كل الاحترام والتقدير لا بدَّ من المراجعة السياسية التي تؤكِّد على خيار لقوّات مسلَّحة تحمي الحياض وتدافع عن المقدَّس بحراً وبرَّاً وجوَّاً وأمن يضبط الجريمة قبل وقوعها ويلاحق المجرم بعد هروبه.. وهذا ما تؤكِّده أدبيات الجيش والأمن اللذين يجب أن لا يتوقَّفا عن مسعى انتزاع كل التقدير وكل الاحترام فيما الانفلات عند ذات المراوحة محلَّك سر.

حول الموقع

سام برس