بقلم / جميل مفرح
ظل منشغلاً بما لم يكن يستحق الاهتمام والانشغال به ظل يترقب الأنباء والطرائف والمشادات التي كان يحفل بها مؤتمر الحوار الوطني ويكتفي بها وجبة يومية دسمة للترفيه بها عن نفسه!! كالتقاذف بقناني المياه والكولا وأكواب الشاي والعصير التي كانت أكثر ما يسجل حضوراً حقيقياً وفاعلاً على طاولات الحوار!! ظل ينشغل أحياناً بتحليل تلك الحوادث والأخبار وإسقاطها على الواقع السياسي الذي يعتمل من حوله من بعيد وكأن لا علاقة له به بالمرة!! أو الاكتفاء بإطلاق كركراته الساخرة والشامتة والمشفوعة لا شك بتمتمات لا تخلو من الاحتقار واللعن والألفاظ النابية التي أثبتت تواجدها في مخزونه اللفظي والثقافي من تسريبات عدة تكرم بها على العامة مقربون من فخامته!!

ظل منشغلاً بحياكة المؤامرات على كل من حوله وحتى على نفسه !! استهلك وقته واهتمامه كلياً في تنفيذ انتقامات وإزاحات لم يكن لها من داع أو موجب في توقيت وظروف كانت في غاية الاستغناء عنها وعن حضورها لما سيترتب عليها من تقويض للعمليات السياسية التي كان يدعي أنه يعمل عليها أو أنه جزء لا يتجزأ منها!! ظل همه منحصراً على كيفيات صياغة المكايدات والمزايدات والتمرن على فنون اللطم والركل السياسيين التي لا عائد منها سوى المزيد من الإمعان في التأزم والتأزيم لوطن تسلمه مشفوعاً بدعم كبير في الداخل والخارج، مما كان سيوفر له الأجواء والظروف المناسبة لتجاوز أزمات الوطن بنجاح سيعود على الوطن وعلى الشعب بكل الخير والأمان، بل وقبل كل ذلك عليه كرئيس كان نجاحه سيقوي مواقفه كلها ويمتن علاقاته بالداخل والخارج ويفرض احترامه والامتنان له.

ولكنه كما أسلفت وأزيد وسأزيد ظل مشغولاً بسفاسف الأمور وهينها، بل وسيئها مما عاد عليه وعلى العملية السياسية وعلى الوطن برمته وبالاً وشراً مستطيراً !!
نعم لم يستطع هذا الرجل حتى أن يقنع نفسه بمكانه وإمكاناته التي كان المفترض أن تكون مطلقة نتيجة ما حظي به من دعم محلي وإقليمي ودولي.. بل لم يستطع حتى إقناعنا وإقناع نفسه بكونه رجلاً أولا وقائدا أعلى لبلد ذاق من المرارات في ظل الأزمة التي حدقت به منذ العام 2011م ما لم يكن قد ذاقه قبله وطن سواه.. وطن كان وما يزال يكتفي وإن بقليل من الجود والاهتمام ليرمم به ولو جزءاً بسيطاً مما حل به واجتاحه من انتكاسات وآلام، مخيرة بين الانزياح والفكاك وبين استمرار الحال وربما تطوره إلى مستوياته الأسوأ.. وكان مصير كل ذلك وكل تلك الخيارات رهيناً بيده وبما سيوليه لمهمته من عطاءات وما سيقدمه ليؤكد ما يظل يدعيه على الدوام من وطنية بات مشكوكاً في صحتها وأحقية تجسدها!!

ظل.. وظل وليته لم يظل كما ظل ليته استطاع حتى أن يوفر ولو قدراً ضئيلاً من الأمل ومساحة بسيطة لاحتمال التفاؤل به وبفائدة وجوده في ذلك المكان العالي المقام، ليته لم يقتل كل تلك الطموحات على بساطتها ومحدوديتها وليته أثبت ولو للحظة واحدة من بقائه في ذلك المكان صدقية انتمائه ووظيفته حين احتاج إليه الوطن الذي يفترض أنه وطنه كما هو وطننا.. ليته ووقف يوماً أمام نفسه وقال لشبحه: هذه فرصتك وفرصة وطنك وشعبك لإثبات الذات لثلاثتكم أمام ثلاثتكم وأمام العالم أجمع، والتأكيد على ما كان سائداً من إيمان بخصوصية اليمن وأهلها على امتداد التاريخ.. وليته لم يكن أول من يكسر تلك القاعدة ويشتت ذلك الإيمان الذي كان فخراً لكل يمني ويمنية.
ليته ومنذ اللحظات الأولى التي نفذ فيها الوطن من يد الهلاك وإن مؤقتاً، التفت إلى الوطن التفاتة حقيقية يقصد من خلالها استدراك ما يمكن استدراكه من أشلاء الوطن التي بدأت تتناثر بين يديه ويدي العالم أجمع.

ليته ترك الحوار للمتحاورين والجدل للمتجادلين لينشغلوا به عنه وعن إنجازاته التي كان من السهل والمفترض أن تكون علاقة مضيئة في تاريخه وربما تاريخ وطنه.. ماذا لو أنه انتهز فرصة انشغال أولئك المتحاورين المتناورين وقاد نفسه بعزيمة جادة وحقيقية لاستعادة الدولة وبناء مؤسساتها المدنية والإدارية والعسكرية وجعل من مداواة وتطبيب جراح الوطن همه الأول؟! ماذا لو أنه كان وطنياً حقيقياً واستبدل اهتمامه بالتراشق بالعبوات والقناني والكلمات في ذلك المؤتمر الذي مثل له فرصة نجاة ونجاح بالمعنى نحو إعادة الوطن من مراحل الاحتضار التي كان قد وصل إليها!!
ظل وظل وماذا لو؟! وماذا لو؟!
لكان الوطن اليوم في خير حال أو على الأقل لكان الوطن أفضل مما هو عليه الآن ولما وصل الوطن ولا وصلنا إلى هذه الأحوال المضطربة المخيفة بل المرعبة التي نعيشها اليوم .. ولما فقدت الدولة في عهده كما لم يسبق لها ولا لغيرها كل معانيها ومكاناتها ومهاباتها واحترامها في الداخل والخارج.. ولكان بالفعل استحق ما ناله من ألقاب من قبل المداهنين والمراوغين والمجاملين والمتجملين من مثل "الرئيس المنقذ" و"الرئيس الفدائي، وغير ذلك..

ولما غدا مقامه مقام الفار من كل شيء حتى من نفسه ولما صارت البلاد إلى ما صارت عليه من احتقانات وأزمات أصبحت حلولها في مرتبة المحال، وتهديدات ومخاوف من كل العواقب الوخيمة والسيئة وإن لم يكن منها إلا مخافة التجزئ والانشطار والانقسام التي كانت يوماً أبعد من أن تخشى.

حول الموقع

سام برس