بقلم / احمد الشاوش
مازالت الكثير من الدول والمؤسسات القانونية ومنظمات المجتمع المدني تغض الطرف عن المشاهد المروعة والصور المأساوية التي نشاهدها أو نقرأ عنها على مدار الساعة ، ومازال الفقر يمثل أبشع صور الاستغلال والخضوع الإنساني الذي يدفع قيمته من لا قوت له ، ويمتص رحيقه الأغنياء والأخلاء من تجار البشر ، حتى صار الفقير دمية يعبث بها الكثير ويستغلها عديمو الرحمة والأخلاق من أرباب العمل والأسر الميسورة التي تنتهك كرامة الإنسان وتستغل عوزه وضعفه وقوة حيلته، ومنذ ظهور مصطلح " العبودية الحديثة " المتمثلة في قيام بعض المؤسسات والشركات والأشخاص باستعباد المهاجرين من دول مختلفة لاسيما الأشد فقراً والمتفجرة بالخلافات السياسية والعرقية والمذهبية والحروب الطاحنة هروباً من الموت أو البحث عن لقمة العيش لهم ومن يعولون من خلال الحصول على فرصة عمل تليق بكرامتهم وتعود عليهم بالفائدة.

إلا أن هؤلاء العمال ما أن يصلوا إلى البلدان التي حلموا بها وأن السماء قد فتحت لهم أبواب الرزق ، سرعان ما تتبدد أحلامهم وتدفن طموحاتهم ويتم استغلالهم بطرق أكثر بشاعة وممارسة أعمال الترهيب والترغيب عبر الأجور الزهيدة جداً والأعمال الشاقة والمهينة وعقود العمل المجحفة التي تكبل ضحايا لقمة العيش وفي طليعتها المرأة الخادمة لدى بعض الأسر، وفي غياب القوانين والضمائر والقيم وغفلة المنظمات الدولية المتخصصة في حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها ، تهدر أموال وأعراض ودماء هؤلاء الأبرياء ويتحولون إلى مجرد " عبيد " مع سبق الإصرار والترصد وأسراء لأرباب العمل ، رغم استفادة تلك الدول والمؤسسات والأفراد من هؤلاء الضحايا ومشاركتهم في نهضتها عبر إسهاماتهم في القطاعات الانشائية والصناعية والزراعية والسمكية والفندقة وغيرها ، ومع هذا يشعر هؤلاء المنتجون بالظلم الفادح بهضم حقوقهم المادية والمعنوية فلا تأمين صحي ينقذهم من الأمراض ولا سكن يليق بهم ولا إجازة تنعشهم ولا أجور تتناسب مع طبيعة أعمالهم، كل هذا الطغيان والجبروت يحدث في دول أوروبا والخليج العربي ولدى رجال المال والأعمال والأسر الميسورة في بعض المناطق الغنية والمستقرة، ونلمس ذلك من خلال ما تنقله لنا بعض الفضائيات والصحف ومراكز الدراسات المتخصصة في سوق العمل عن مآسي الهجرة والعمالة المصلوبة .

ومع هذا يوجد مئات الآلاف من العمالة التي يتم التضحية بحقوقها ، وحسناً ما سعت إليه بريطانيا ، حين صوت النواب على مشروع قانون يمنع " الاستعباد " ويجبر المؤسسات على أن تكون أكثر شفافية باعتباره أول قانون من نوعه في أوروبا لإنصاف العمالة .. فهل تسارع دول النفط وغيرها من الدول الأوروبية التي نهضت على جماجم العمال إلى وخز الضمير وإرساء قوانين تحد من الظلم وتوقف طغيان عديمي الرحمة وتجار البشر من باب الإنصاف والعدالة .. أملنا كبير.

حول الموقع

سام برس