بقلم / عبدالجبار سعد
كانت اشبيلية أشهر الممالك في بلاد الأندلس وكانت تُجلب إليها خيرات الدنيا كلّها حتّى قيل أنّك لو طلبت لبن العصافير فيها لوجدته وذلك لوفرة خيراتها.

كان ملكها المعتمد بن عبّاد شجاعا كريما شاعرا وقالوا أنّه لم يقف من الشعراء في باب خليفة ولا ملك كما وقف في باب المعتمد، وكانت زوجته اعتماد الرميكي فائقة الجمال أديبة وبارعة في فنون شتّى، كانت جارية فأعتقها وتزوجّها واشتقّ لنفسه اسما من اسمها.

كانت في نعيم الملك تتقلّب هي وبناتها حتّى أنّها ذات مرّة أطلّت من قصرها في يوم مطير فرأت بنات البادية اللواتي يأتين بالحليب إلى المدينة يمشين على الطين فيتزحلقن عليه فأعجبها منظرهنّ وأرادت أن تخرج لكي تفعل فعلهنّ فقال لها: "لا ينبغي لك ذلك" قالت: وإنّي لأرغب فيه كثيرا، قال لها: "لا عليك ستفعلينه ولكن هنا في القصر"، فجمع الكثير من المسك والكافور وخلطها بالطيوب وقال: "لها تزحلقي كيف شئت الآن"، وسمّي ذلك اليوم يوم الطين.
تغيّر الزمان على المعتمد وزال ملكه في قصّة شهيرة ومأساويّة على يد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين الذي قدم إلى الأندلس وأنهى كلّ الممالك التي كانت تتنازع فيما بينها وتستعين بالإفرنج على قتال بعضها، وأخذ المعتمد وأهل بيته أسرى وحبسهم في قرية أغمات بالمغرب ولم ينفق عليهم شيئا حتّى اضطرت بناته أن يغزلن للناس ويبعن الغزل لكي يقتتن وأبيهنّ منه.

لم تطق اعتماد تحمّل هذه الحالة وسخطت عيشها كلّه وقالت أنّها لم ترَ في حياتها يوما من السعادة فلاطفها زوجها الأسير وقال لها: ولا حتى يوم الطين!!
جاء عيد الإفطار وتقدّمت بنات المعتمد يسلّمن عليه حافيات منكسرات فلمّا رآهن استعبر وقال هذه الأبيات الحزينة الباكية:
فيما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسرورًا
فَجاءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسُورَا
تَرى بَناتكَ في الأَطمارِ جائِعَةً
يغزِلنَ للنَّاس ما يملِكن قطميرَا
برَزن نحوَك للتسليم خاشعةً
أَبصارُهُنَّ حسيراتٍ مَكاسِيرَا
يَطأنَ في الطِّين وَالأَقدامُ حافيَةٌ
كَأَنَّها لَم تَطأْ مِسْكًا وَكافورَا
أفطرت في العِيدِ لَا عادَت مساءتهُ
فكانَ فطركَ للأكباد تَفطِيرا
مَن باتَ بَعدَكَ في مُلكٍ يُسَرُّ بِهِ
فَإِنَّما باتَ فِي الآمالِ مَغْرُورَا
نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس