بقلم / عبدالله علي صبري
الصدمة التي هزت المجتمع اليمني جراء ما حدث في تعز الأسبوع المنصرم، من عملية تطهير عرقي وسحل وإعدامات وحشية داعشية، استدعت الأقلام الوطنية إلى الدفاع عن تعز، واعتبار ما حدث أمر نشاز لا يعبر عن تعز الثقافة والمدنية. وهذا مؤكد، فاليمنيون وليس التعزيين فحسب، لم يعرفوا هذا النوع من الإجرام برغم كثرة الحروب الداخلية التي انخرطوا فيها على مدار التاريخ.
ويقينا، فإن ما جرى غير منفصل عن الثقافة الداعشية الوافدة، ومخططات العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، واحتياجات الحرب الإعلامية العدوانية لهذا النوع من الصور، الذي ألفناه في تغطيات قناتي الجزيرة والعربية من قبل.
هنا يطل السؤال محيراً وملحاً: لماذا تعز؟
وبشيء من الصراحة يمكن القول أن المناخ الذي سبق الجريمة البشعة بتعز كان ينبئ بشيء من هذا القبيل، حيث تحولت غالبية مساجد تعز إلى منابر للتجييش الطائفي والمناطقي بصورة مقززة، زاد من قتامتها أن الأصوات المتشنجة تجاه الخصم السياسي في الداخل، كانت تحتفل بالمشهد الدموي الذي أصاب ربوع البلاد بفعل جرائم عدوان التحالف (العربي)!
وقد اتخذ مرتزقة الرياض من تعز منطلقا لتشكيل ما يسمى بالمقاومة الشعبية، وتزويدها بالمال والسلاح وبالمقاتلين لمواجهة ما يسمونه بالتحالف (الحوفاشي)، والتعامل مع أنصار الله، وكأنهم قوة غازية من خارج اليمن.
ولن أذيع سراً إذا قلت أن أنصار الله كانوا مدركين منذ البدء أهمية وحساسية تعز، وقد عملوا مع القوى السياسية على تجنيبها الصراع الدامي. ومن يتتبع الوقائع التي شهدتها تعز منذ 21 سبتمبر 2014م، سيدرك أن الفرصة كانت سانحة لتكون تعز أنموذجاً لتفاهم سياسي وطني، يمكن تعميمه على بقية المحافظات، إلا أن أصواتاً نشازاً تصدرت المشهد، وجرجرت تعز إلى الفخ الدموي، والعمالة للعدوان، وصولا لاحتضان داعش، ومحاكاة جرائمها التي هزت الضمير الإنساني بأسره.
تعز بكثافتها السكانية وبمخزونها الكبير من النخبة الثقافية والإعلامية والسياسية، وبموقعها وسط البلاد وعلى مشارف باب المندب، كانت وستبقى رقماً صعباً في المعادلة الوطنية. ولا يفسد هذه الحقيقة سوى تضخم الهوية التعزية على حساب الهوية اليمنية الجامعة.
قبل تعز اكتوت محافظات الجنوب بنار الظلم والاستبداد السياسي، فتخلقت القضية الجنوبية التي تعاطفت معها كثير من القوى السياسية، غير أن متطرفي الحراك رفعوا السقف حتى غدا الجنوب في نظرهم هوية مستقلة تنبذ (اليمنيين الدحابشة) وتتغنى بالجنوب العربي، وهو المصطلح الذي رسخه الاحتلال البريطاني لجنوب البلاد، بهدف الحؤول دون توحيد شمال اليمن
بجنوبه.

واليوم ثمة من يتطرف ويرى في تعز هوية مستقلة بذاتها، وفصلها عن الهوية الوطنية اليمنية الجامعة، ما يستدعي من عقلاء تعز التوقف أمام هذا المنحى بجدية ومسؤولية، لأن تعز مهما عظمت في أعين أهلها تظل هوية صغرى مقابل الهوية اليمنية الكبرى، وينطبق الأمر ذاته على أية هوية محلية مماثلة.
هذا بالنسبة للهوية، أما القضية التعزية- إن وجدت-، فهي لا تنفصل عن أزمة الحكم الاستبدادي المركزي، والشعور المتزايد لدى محافظات عديدة بأن حكم اليمن متمركز في الهضبة الزيدية. وقد جاءت فكرة الأقاليم في إطار التخفف من هيمنة المركز الصنعاني، غير أن المؤشرات التي أعقبت مؤتمر الحوار الوطني أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الأقاليم غدت محورا للتجزئة والتقسيم، وفقا لمخطط خارجي لم يعد خفياً عن أنظار أولي الألباب.
وبالطبع هذا لا يعني غمط المطالب المحقة بشأن اللامركزية السياسية لمختلف المحافظات، كأساس لتثبيت دولة الوحدة والنظام الديمقراطي التعددي، وتمكين الأغلبية السياسية من السلطة وفقا لانتخابات حرة ونزيهة، في إطار شراكة وطنية حقيقية تقوم على المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص، وضمان حق الأقلية في المعارضة، حتى تغدو الأقلية أكثرية سياسية حاكمة، وهكذا دواليك وفقا للمبادئ المتعارف عليها ديمقراطيا.
نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس