بقلم / وفاء صندي
بعد اكثر من شهر على التوقيع بالاحرف الاولى على مشروع الاتفاق السياسي لحل الأزمة في ليبيا بعد سلسلة من الجولات الحوارية بدأت في مدينة غدامس الليبية، وانتهت في مدينة الصخيرات المغربية مرورا بجنيف على امتداد قرابة تسعة أشهر، استأنف، يوم امس الخميس، بمدينة الصخيرات الحوار الليبي برعاية المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا برناردينو ليون وفي غياب المؤتمر الوطني العام، الذي أعلن أنه بحاجة لإعادة ترتيب الفريق المفاوض لديه بعد استقالة عضوين متعهدا بأن يحضر جلسات الحوار القادمة، رغم ان الامم المتحدة اعلنت في وقت سابق أن التعديلات السياسية التي طالب بها المؤتمر الوطني العام لإدراجها في مسودة الحل السياسي ستتم مناقشتها في ملاحق الاتفاق السياسي التي عدتها البعثة جزءا لا يتجزأ من الاتفاق السياسي، إذ سيكون لها القوة القانونية نفسها التي لدى باقي نصوص الاتفاق.

برناردينو ليون قادم الى المغرب وفي نيته تسريع وتيرة عملية الحوار بهدف إنجاز الاتفاق السياسي الليبي، بما في ذلك التوصل إلى اتفاق حول حكومة وفاق وطني قيل ان لا مكان فيها للمحاصصة الحزبية، بعد ان قطعت الجولات السابقة شوطا كبيرا من حيث تقليص الاختلافات بين الأطراف وحثهم على التوقيع على الاتفاق، وان تطلب الامر فرض عقوبات على الاطراف غير الموقعة. وفرضا ان هذه الجولة نجحت في تشكيل حكومة توافق وطني وتم التصفيق لنجاح حوار الصخيرات، لكن هل سوف تنتهي مشاكل ليبيا بمجرد اعلان انتهاء الحوار؟ وهل التوقيع على الاتفاق يعني الالتزام الفعلي بكل بنوذه؟ وهل سيعود الامن والاستقرار بمجرد تشكيل حكومة توافق وطني تضم تمثيلية كل الفرق المتنازعة في ظل غياب جيش وطني قادر على حماية المؤسسات وحماية المسؤولين في ظل عمليات الخطف المتكررة التي تشهدها البلاد؟ وهل سيرفع المنتظم الدولي والقوى الاقليمية يدهم عن دعم الاطراف المختلفة، سواء كانت جماعة الاخوان او نظام حفتر، من اجل ضمان استمرار هذا التوافق واستكمال المسار الديمقراطي بعيدا عن التجاذبات الاقليمية والدولية؟

اسئلة واخرى يصعب الجزم بخصوص أجوبتها، كما يصعب التنبؤ بالمفاجأت التي يمكن ان تطرحها الجولات اللاحقة من الحوار، الذي يعقد عليه المنتظم الدولي آمالا لا يوفر بعدها حلولا بديلة، او حتى ما بعد التوقيع النهائي على الاتفاق. ليبقى، رغم ما يتم نثره من فرقعات امل، من الصعب التكهن بمستقبل ليبيا في ظل ما تعيشه من فوضى عارمة، وتوازن ميداني بين طرفي الصراع، وتهديد حقيقي باتت تشكله داعش واخواتها على ليبيا والمنطقة، في الوقت الذي يصعب فيه تشكيل أي تحالف عسكري بري للقضاء على هذه التنظيمات بسبب كلفة هذا التدخل عسكريا وسياسيا. لكن يبقى الاكيد انه في ظل تنامي وانتشار الارهاب وامام الواقع السياسي المتأزم، والذي يمكن ان يستمر سنوات عديدة، فلا حل سوى الاستمرار في اقناع الاطراف المتناحرة بأن الالتزام بالاتفاق هو الحل واقناعهم في نفس الوقت بأن عدوا بات مشتركا بينهم ويجب تنحية كل الخلافات من اجل القضاء عليه الا وهو الارهاب وداعش اللذان تمكنا من التمدد بسبب، اولا، انقسام الليبيين والاقتتال فيما بينهم. وثانيا، بسبب وجود مصادر العامل البشري الازم له، بعد ان حاولت/ نجحت بعض الجماعات الإرهابية المتطرفة الموجودة في بعض الدول الإفريقية استثمار ضعف الاستقرار لفرض وجودها في ليبيا باعتبارها موقعا استراتيجيا على حدود المتوسط، وأيضا مصدر مال بعد السيطرة على بعض منابع النفط. وثالثا، بسبب انشغال البلدان المجاورة (مصر وتونس والجزائر والسودان) بمشاكلها وأوضاعها الداخلية.
يجب على المنتظم الدولي في ظل هذا الواقع المقلق وبشكل استعجالي، وبالموازاة مع التوقيع النهاية على الاتفاق الليبي، التوصل الى قرار من شأنه تعزيز الرقابة الامنية على السواحل الليبية وعلى الحدود الجنوبية لمنع تدفق الداعشيين مع حصر خطر الارهاب في الداخل. كما يجب دراسة احتمالات رفع الحذر عن تسليح الجيش الوطني الليبي مع ضبط آليات هذا التسليح وتكوين الجيش حتى يكون قادرا على محاربة التنظيمات الارهابية. مع ضرورة، بالنهاية، تكاثف جهود دول شمال افريقيا للحؤول دون ان تتحول ليبيا الى نقطة انطلاق اقليمية للجهاديين. فقرب ليبيا الجغرافي من مصر وتونس والجزائر والمغرب تجعلها عمقا استراتيجيا لهذه الدول وتجعل الخطر القادم منها يشكل تهديدا حقيقيا لأمنهم القومي مما يحتم على هذه الدول الجارة تنسيق جهودها من اجل وضع استراتيجية مشتركة للوقاية من تهديدات داعش.

وكما قال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، إن المسؤولية الان تقع على عاتق قادة ليبيا في كل الجوانب وعلى كل المستويات لكي ينبذوا خلافاتهم ويضعوا المصلحة العليا لبلادهم قبل أي اعتبار آخر وأن يقوموا باتخاذ الخطوة الأخيرة نحو تحقيق السلام. الليبيون امام مسؤولية تاريخية تحتم على الجميع التوافق على إدارة مرحلة انتقالية تكون اولى اهتماماتها وقراراتها مواجهة الارهاب والمخاطر التي بات يمثلها تنظيم داعش، ثم استعادة الحد اللازم من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وصولا الى تهيئة الليبيين لانتخابات جديدة.

المهمة ليست سهلة، لكن الثقة تبقى كبيرة في وعي الليبيين بأن وطنهم على بعد خطوة من السقوط في الهاوية.
نقلا عن رأي اليوم
كاتبة مغربية

حول الموقع

سام برس