بقلم / حمدي دوبلة
الاستخفاف بالحياة الإنسانية يمارس على أرض اليمن حالياً بصورة غير مسبوقة في التاريخ من قبل العدوان السعودي ومعه جميع الأطراف المتنازعة في الداخل دون استثناء ومن خلفهم العالم الذي يمارس استهتاراً من نوع آخر من خلال صمته المريب والغريب عن هذه الممارسات والفظائع التي ترتكب بحق الحياة الآدمية .

مشهد واحد لحي سكني في صنعاء أو غيرها من المدن اليمنية بعد تعرضه لغارة جوية من طائرات السعودية الحديثة كفيل بأن يجسد هذا الاستخفاف ويقدمه في أبلغ الصور وأدق التوصيفات .

وهل هناك أشد استهتاراً. واستخفافاً بالحياة والإنسان من استهداف حي فج عطان السكني أو منطقة نقم المكتظة بالمدنيين بقنابل عنقودية ونيترونية شديدة التفجير وواسعة التدمير ؟!
بدا حي فج عطان السكني ومن بعده حي نقم في العاصمة صنعاء بعد تعرضهما لقصف طيران أشقائنا " الحريصين على شرعيتنا وأمننا ورخاء شعبنا وكأنهما ساحة حرب حقيقية, فقد تناثرت أشلاء الضحايا من الأبرياء في الشوارع والطرقات وتهدمت كثير من المنازل وتحطمت محتويات ومكونات منازل أخرى وهرع الناس بالآلاف صغارا وكباراً ورجالاً ونساءً على غير هدى وتركوا منازلهم لشدة روعهم وهول ما أصابهم مفتحة الأبواب وهم يركضون بحثاً عن الأمان المفقود .
عاش الناس في هذين الحيين وأنا واحد منهم لحظات عصيبة وأهوالا لا تصدق بدت أشبه ما يكون بأهوال يوم القيامة ومشاهدها المرعبة .
ما تعرضنا له في حي نقم شرقي العاصمة في ذلك المساء الأسود سيظل عالقاً في ذاكرتنا طويلاً وسنحكيه لأولادنا وأحفادنا ولا أظن أن أحدا سيستطيع يوماً أن يقنع الآلاف من الضحايا ممن فقدوا أقاربهم وتحطمت منازلهم أن كل ما عاشوه لم يكن سوى خدمة بسيطة تفضل بها أشقاؤنا من أجل حماية حياتنا ومستقبل أطفالنا وتأمين عيشنا الكريم .

إنه الاستخفاف الصارخ بحياة بني البشر ولولاه لما أقدم المعتدون على توجيه تلك القنابل على الأحياء السكنية مهما كانت أهمية وإستراتيجية الأهداف العسكرية المتواجدة فيها ما دام أن هناك وسائل أخرى للتعامل معها وخاصة وإن نظام المراقبة الجوية الصارمة عبر الأقمار الصناعية والتقنيات الحديثة على مثل تلك المواقع دقيقة وقادرة على رصد وتتبع أي تحركات أو نقل الأسلحة والعتاد ومهاجمتها عندما تصبح في منطقة خالية من السكان.
لا أريد أن أكون أنانياً وأفرط في حديثي عن أهوال ما عاشه أبناء الحي الذي أسكن فيه خاصة وأن هذا الاستخفاف بحياة الإنسان والإنسانية تمت ممارسته بأشكال وصور أكثر وحشية وفظاعة في مناطق عديدة من الوطن على امتداد الخمسة الأشهر الماضية حيث قتل وأصيب الآلاف من الأبرياء الآمنين وهم في منازلهم وفي مزارعهم وفي الأسواق والطرقات وفي كل مكان لمجرد الشك بأن عناصر يطلقون عليها "حوثية" أو قوات صالح ارتادت هذا المكان أو عرجت عليه أو استخدمته لتخزين أسلحة وغير ذلك من المبررات الواهية التي تستفزنا بها قنوات إعلام العدوان في كل وقت وساعة طيلة أمد هذه الحرب القذرة التي لا تريد أن تنسج فصلها الأخير الا بالقضاء على شعب كامل.

وبالطبع فإن هذا الاستهتار والاستخفاف غير المسبوق بالإنسانية وحياة البشر لم يقتصر على العدوان بل شمل أيضاً المتصارعين في الداخل ممن يزهقون الأرواح على مدار الساعة لمجرد اعتقادهم بأن خصومهم يتواجدون في هذا المكان أو ذاك دون إعطاء أي اعتبار للمدنيين والسكان الأبرياء.

أما العالم من حولنا فلا يزال المراقب المتواطئ والصامت في أحسن الأحوال ويكفينا أن ندلل على ذلك بما أتحفنا به مجلس الأمن الدولي مؤخراً عقب استماعه لإفادة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والذي أكد في إفادته بأن اليمن تشهد استخفافاً صارخاً بالحياة الإنسانية من قبل كافة أطراف الصراع لكن هذا المجلس الموقر فاجأنا في اليوم التالي ببيان تنديد شديد اللهجة ولكن ليس بهذا الاستخفاف الصارخ وانما بالمضايقات التي يتعرض لها المثليون جنسياً في العراق وسوريا من قبل داعش.

حول الموقع

سام برس