بقلم/ عبد الرحمن بجاش
الى قريتنا ايام اللحظات الاجمل في عمرنا , يوم ان كانت عدن ام الدنيا , مبتدأها ومنتهاها , جلب احدهم تلك المسجله باشرطتها (( الريل )) الدائريه , كان الديوان اذا فتح لمجيئ ضيوف من البعيد , جاء بها العم عبد الولي من مخزن عمي العتيد , يضعها وسط الديوان , تتشكل حوله فورا دائره من اجسادنا المنهكة لعبا , وعيون متطلعه لهذا الكائن القادم كأنه صحن من صحون الفضاء , يبالغ العم عبد الولي في دلالها , يمسحها , ويحن عليها بيديه , تراه يمرر يديه على جوانبها كانها معشوقة فاتنه , ياتي بالشريطين الدائريين , ف (( يركبهما )) بعناية فائقه , ولولا الحياء لتقافز الكبار حوله مثلنا !!! , يلمس بيده المفتاح فيدور الشريط , ونحن مبهورين , حتى اذا بدأ المغني المغنى , بدأ العم عبد الولي يسايره ,تكون اللحظة قمة الاثاره , نتبادل النظرات البريئة مستغربين مندهشين : كيف العم يتكلم مثل الحديد (( مو درًاه ايش يقول )) !!! , تتواصل الدهشة ممزوجة بفرح داخلي بتميزنا اذ كنا في الديوان نسمع , تبدو تلك الدهشة تتسمر على عيوننا ونحن نشرح لامهاتنا اللواتي لا يصدقن ان الحديد يتكلم ونحن نشرح ونبالغ , ونعطي العم عبد الولي هالة من الاعجاز لا توجد الا فيه , اليوم عندما التقيه اضحك كثيرا عندما اذكٍره كيف كان يعمل بنا ايام طفولتنا , يزيدني شجنا عندما يقول : عاد صوركم بالقرابع صغارا عندي في الصندوق , لكنه يرفض ان يطلعني عليها لمزيد من الشجن والتوق للحظة لا ادري متى تاتي والراس قد سكنه البياض !!! .

في الصباحات الباكره طالما فتح العم قاسم نافذة منزله المطل على القرية كلها , هنا عدن , هنا لندن , صوت العرب تحييكم وتقدم لكم تعليق احمد سعيد , بعده محمد عروق !! , يتدحرج الصوت على طرقات القريه يدري الجميع ان راديو العم قاسم يهدر , والراديو ابو كعكه كانت حديث الكل , وهو حين يظهرها يبالغ في دلالها , تمييزا لها عن بقية الكائنات , والراديو ابو كعكه تكون حديث الكبار في صحن المسجد , حين ياتي تسبقه لازمته التي لا يتخلى عنها (( آصبر )) , ثم يروح ملقيا نشرة الاخبار ((مو)) قال الانجليز ((مو)) قالو الطليان , وايش خطب جمال عبد الناصر و((مو)) قال نهرو !!! .

كم يحز في نفسي ان لا متحف في الريف يتلقى تلك ((الروادي )) وكل ادوات ادامة الحياه من ملبس , وادوات الاضاءة القديمة , وادوات الري , والزراعة , والمعيشة عموما في المنزل الريفي , اذ لم تعد جلاعب القمح موجوده , ولا المطحن , ولا الماوره , ولا العُده , ولا المضمد , ولا السراج ولا ولا ....., اعرف ان لا احد سيهتم لهذا , لاننا في لحظة عبثية قاهره , ولم يستمع الي احد في الماضي القريب , لان لا احد يهتم بالانسان , فما بالك بالآله , اشياء كثيرة تفقد من حياتنا . لله الامر من قبل ومن بعد.
نقلا من صفحة الكاتب بالفيسبوك

حول الموقع

سام برس