بقلم / علي البخيتي
لم أدرك عظمة الخليفة الثاني للمسلمين عمر ابن الخطاب الا بعد انقلاب الحوثيين على السلطة في اليمن، وبالأخص بعد اعلانهم أن قائدهم (قرآن ناطق)، ورأيتهم يتشبثون بالسلطة والحكم ويعضون عليها بالنواجذ، ويسفكون من أجلها دمائهم ودماء غيرهم بلا حساب، ويدمرون وطننا دون أي شعور بالمسؤولية، معتبرين ما حدث عودة لحق سُلب منهم يوم السقيفة، مستندين الى تأويل مغلوط لأحاديث نبوية، وتفسير لا معقول لآيات قرآنية، ومطبقين ولاية الأمر في اليمن متدثرين زوراً برداء الجمهورية.
***
أتحدث هنا عن الخليفة عمر بن الخطاب بمنطق التاريخ لا بمنطق الدين والمذهب، عُمر ذلك القائد العربي الفذ هو أول من واجه وبشجاعة مشروع توريث النبوة والحكم، وكان بطل اجتماع سقيفة بني ساعده، وبغض النظر عن مؤهلات الإمام علي وجدارته بالحكم قبل أبي بكر أو عمر من عدمها، فمخاوف عمر ابن الخطاب مبررة، وثبت صحتها في ذلك الوقت وفي وقتنا الحاضر اليوم، وبعد كل ما فعله الحوثيون في اليمن سندرك أننا كنا أمام قرار تاريخي صحيح اتخذه عُمر برفض تولية الامام علي بعد رسول الله مباشرة، لأن تولي علي كان سيُفسر على أن وراثة أقارب النبي للحكم من الدين، وقد يتطور ذلك الى وراثتهم للنبوة كذلك، وهذا ما سعى البعض الى ترويجه فعلاً بعد ذلك بعقود وقرون طويلة، ابتداء من الحديث عن أن عترة النبي قرناء القرآن وصولاً الى (القرآن الناطق) الوسم الذي اخترعه الحوثيين مؤخراً ووصفوا قادتهم به، كل ذلك حدث مع أن الإمام علي قبل بولاية ابي بكر وعمر وعثمان ولم يعترض عليهم بل وتعاون معهم، فكيف لو تولى هو الخلافة مباشرة؟!!، ولو كانت ولايته قبلهم من الدين لقاتل دونها، وكلنا يعرف مدى شجاعة الامام علي، والقول أن ولاية علي بعد الرسول من الدين فيه طعن في ايمان الإمام علي وفي شجاعته، لأنه سيكون عندها قد فرط في دينه الذي أخذه مباشرة من الرسول محمد في حجة الوداع كما يزعم البعض في تفسيرهم المتعسف والمغلوط لبعض المرويات النبوية التي وردت في تلك الحجة، وبالأخص ما بات يعرف بـ (حديث الولاية) الذي أضافوا عليه الفاظاً في عدة مراحل تاريخية بعد وفاة الإمام علي حتى جعلوا منه نصاً في الحكم مع أن لا علاقة له بذلك مطلقاً، ونصه الصحيح ليس بالصفة التي يتداولونها اليوم، ولو كان متعلقاً بتولية الامام علي لحاججهم هو بذلك النص في حياته، فالثابت أنه لم يتطرق الى ذلك الحديث ولم يستند له قط في أي مرحلة من مراحل الصراع على السلطة.
***
أدرك عُمر أن الثقافة الجاهلية الراسخة لقرون طويلة والمتشبعة بالعصبية التي تُورِث كل شيء للأبناء والأقارب لا تزال حاضرة في وعي المسلمين أكثر من حضور قيم الإسلام الحديثة العهد، والداعية الى الشورى في الأمر، فكان حاسماً في رفضه لتولية الامام علي خشية ربطها من البعض بالعصبية الوراثية وتحويلها الى دين، ومن ثم يتم توريث الحكم والنبوة، مع أن عمر أظهر ميلاً للمهاجرين عندما قال للأنصار لنا الإمارة ولكم الوزارة، لكنه لم يقل أن ذلك دين بل تشاور معهم أو بالأصح تفاوض معهم حتى قبلوا بتولية أبي بكر الصديق، ويظهر أن عمر بدهائه عرف أن تولية أحد الأنصار سيكون مدخلاً لتنازله للإمام علي لما اشتُهر عن الأنصار من حب له، ومع كل مخاوف عمر تلك فقد انتصرت قيم الجاهلية مجدداً بعد رحيل جيل العظماء من الصحابة، فابتدع بنو أمية قرشية الخلافة وتبعهم بنو هاشم وحصروها في البطنين تحديداً وأتى الجعفرية وحصروها في 12 إمام فقط من أولاد الحسين، ولو كان هناك أي نص في الحصر ما اختلف الصحابة من مهاجرين وأنصار في سقيفة بني ساعدة قبل أن يتوافقوا على أبي بكر، ومن لحظة النص على الحصر وتحويله الى دين بدأ الصراع التاريخي المرير الذي لا نزال ندفع ثمنه منذ قرون طويلة، والحرب في اليمن اليوم إحدى تجليات ذلك الصراع وذلك الافتراء على الرسول، وان بشكل غير معلن، لكن لب الصراع قائم على هذا الأساس، وما ظهر خلال احتفال الحوثيين بذكرى وفاة قائدهم حسين الحوثي سواء في وسائل اعلامهم أو وسائل اعلام الدولة التي سيطروا عليها عقب انقلابهم وحولوها الى بوق لجماعتهم ولـ(قرآنهم الناطق) الا دليل واضح على أن حربهم امتداد لذلك الصراع، حتى أن صحيفة 26 سبتمبر المختصة بشؤن القوات المسلحة روجت لـ(قرآنهم الناطق) وفكرهم الكهنوتي وثُبتت صورة الحوثي في شاشة القنوات الرسمية لأكثر من أسبوع، في سابقة لم تحدث قط.
***
عرف عمر وبفطنة ودهاء البدوي أن هناك من سيأتون ولو بعد عقود أو قرون ويقولون أنهم ورثة النبوة والحكم، لذلك قال وبشجاعة نادرة وفي لحظة مفصلية لا لتولية علي ابن أبي طالب الخلافة بعد رسول الله، ليس كرهاً في علي، بل خوفاً من المهووسون بالحكم الذين سيأتون من ذريته والذين نجدهم بيننا اليوم في القرن الواحد والعشرين، قرن التكنولوجيا والانترنت وغزو الفضاء، فيما لا يزالون رهينة للثقافة الجاهلية العصبية التي كانت سائدة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله*(*أتباعه) وسلم، ومستعدون لقتل شعب وتدمير بلد في سبيل استعادة مُلك مُتَوَهم، ولأن عمر هو أول من وقف أمام توريث النبوة والحكم نلاحظ أن نقدهم وهجومه غالباً ما يتوجه اليه باعتباره مسؤول عن ضياع هذا الحق.
***
عمر ابن الخطاب سياسي من طراز رفيع وفريد، وداهية من دواهي العرب، لذا اعتبره الفيزيائي والفلكي الأمريكي مايكل هارت أحد عظماء التاريخ البشري المئة، وكان ابن الخطاب أحد شخصيات كتابه المعنون بـ( الخالدون ال مئة).

* نقلا من صفحة الكاتب بالفيسبوك

حول الموقع

سام برس