بقلم / عبدالحليم سيف
قال لي بدون مقدمات ..

يا ولدي كنا نعيش في زمن صعب وحياة قاسية جداً لا يتصورها عقل ..عذاب وشقاء وبؤس وفقر وقهر..الناس محرومة من أبسط الأمور الحياتية.

لكن أصحاب ذاك الزمان الغابر -كما خبرته طفلاً وشابا – كانوا أغنياء بعقولهم وعطائهم وعلاقاتهم الإنسانية..كانوا رجالاً أوفياء لبعضهم ..عاشوا في ظل حياة بسيطة وروح جميلة مليئة بالتعاون والمحبة والتسامح والخير والإيثار ..يحبون وطنهم ..الناس لبعضها البعض ..الصغير يحترم الكبير ..والكبير يرحم الصغير ..كان الآباء يتنافسون على فعل الخير ..يتسابقون على تعليم أبنائهم كل معاني الوفاء والمعرفة..يزينون عقول صغارهم بالعلم والمثل والقيم.. يخافون الله.. يتعاملون بصدق وأمانة في علاقتهم الخاصة والعامة..حياتهم متواضعة ومع ذلك لها نكهة خاصة برائحة الزهور الطبيعية.

أما هذا الزمن الذي تصفونه بعالم العولمة وتكنولوجيا المعلومات والسماوات المفتوحة فهو بحق جميل ومبهر من حيث مظاهره وتطوراته وتقنياته ووجود كل سبل الحياة العصرية..بيد أن أسوأ ما فيه من قبح..هم البشر..فأنا اليوم أقف على مشارف العقد الثمانيني من العمر وما رأيته ومازلت في الواقع شيء مخيف..ناس بلا قيم ..بلا أخلاق.. لا أمانة ولا شرف لديهم..ذئاب بشرية..انتهازية وفساد بلا حدود ولصوصية بلا سدود وقتل على الهوية بلا قيود..يبيعون كرامتهم ويخونون أوطانهم ..ويتاجرون بمصائر شعوبهم..أنهم يعبدون صنم الماااال.

اليوم ..لو أن هناك شيئا ما جميل في حياة الناس في محيطنا العربي لكتبت عنه بماء الذهب ونقشته على الصخور والجبال والسهول والوديان ..لكن لا شيء ..لا شيء..سوى مظاهر سوداوية موحشة عفنة وكئيبة.. تعيدنا إلى جاهلية القرون الوسطى ..لا بل إلى ما قبل الإسلام .

فهلا عرفت يا ولدي لماذا تتكرر عبارة “الزمن الجميل ” في إشارة إلى ماضٍ كان تعيسا نعم ..لكنه سعيداً.
فمن يرد لنا تلك الروح ؟
يا الهي كيف نستعيد تلك الروح .؟
خاطرك يا ولدي.
* نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس