بقلم / د. أيمن نور
في مثل هذا اليوم منذ 12 عاماً أريد أن أستعيد معكم في هذا المشهد

الزمان.. 27 من يناير 2005

الساعة.. الثانية عشرة والنصف بعد ظهر الخميس.

المكان.. مكتب رئيس مجلس الشورى.

الغرض من الحضور.. اجتماع منفرد بينى وبين صفوت الشريف، وكمال الشاذلى بصفتيهما الحزبية.

جلست بينهما فى أول اجتماع رسمى معهما، بصفتى الحزبية، رئيساً لحزب الغد، بعد 88 يوماً من قيام الغد كحزب رسمى.

جلست وبين قدمى حقيبة جلدية «منتفخة» أثارت فضولهما، دون أن يبادر أحدهما بالسؤال عن سر الحقيبة، وسبب حضورى للاجتماع الرفيع، حاملاً إياها!!

كسر صفوت الشريف الصمت، والحيرة، وبرودة جو الغرفة العتيقة، بكلمات فاترة عن سبب هذا اللقاء، الذى وصفه بالتشاورى، تمهيداً للجلسة الأولى من جلسات الحوار الوطنى الذى دعا إليه مبارك، والتى وصفها أنها جلسة إجرائية لسماع رؤساء الأحزاب، ورؤية كل حزب فى الإصلاح المنشود بجميع محاوره!!

تملكتنى رغبة فى تحسس الحقيبة الجلدية، وكأنى أتأكد من وجودها بين قدمى!!

فى اللحظة ذاتها، بدا لى وكأن كمال الشاذلى يريد أن يسحب الحقيبة من بين أقدامى، وهو يقول: لقد جلسنا فى الأيام السابقة مع رئيس حزب التجمع، ورئيس حزب الوفد، واتفقنا «!!».

جذب الشريف من الشاذلى خيط السرد، لما اتُفق عليه، فى اللقاءات السابقة، ضاغطاً على حروف الكلمات، وبعبارات جزلة، تفيد بالتوكيد، والتأكيد، أنه لا حديث عن تعديل الدستور الآن، ولا تفكير فى تغيير طريقة اختيار الرئيس قبل التجديد بالاستفتاء المقرر له هذا العام (2005)

قبل أن أُعقب أو أطرح سؤالاً منطقياً هو: لماذا الحوار إذن؟! قال الشاذلى: كل الأمور مطروحة للحوار!! لكن المشكلة هى التوقيت!! واستعاد الشريف قيادة دفة الحوار، دعنا نتفق ونعلن الآن للصحف، أننا توافقنا على تعديل الدستور مع الغد ولكن ليس الآن!! ولنبدأ بقوانين لا تقل أهمية مثل قوانين مباشرة الحقوق السياسية، وقانون الأحزاب وغيرها من الإصلاحات الضرورية!!

عُدتُ أتحسسُ الحقيبة، وأخرجت منها ملفاً ضخماً يقع فى 1200 صفحة، عنوانه «أجندة الغد للحوار الوطنى»، سلمت نسخة منه للشريف، وأخرى للشاذلى، وأمسكت بالنسخة الثالثة موضحاً ما تحتويه أجندة الغد، وأولها مشروع متكامل لتعديل الدستور بعنوان «دستور مصر 2005».

الصفحات الأولى من الملف كانت خطاباً من الهيئة العليا للغد يحدد ثوابت للموافقة على المشاركة فى الحوار، أولها: ألا تغيب قضايا الإصلاح عن الحوار، وهى الدستور، وتعديل طريقة اختيار الرئيس للانتخابات المتعددة بدلاً من الاستفتاءات، وكذا قضايا الحريات والمواطنة، وإصلاح نظام وقوانين الانتخابات فى مصر.

ألحقنا بأجندة الغد للحوار الوطنى 20 مشروعاً لقوانين جديدة مصاغة، ومعدة للعرض على البرلمان، منها قانون حرية تكوين الأحزاب، وقانون تحرير ملكية الإذاعة والتليفزيون، ومحاكمة الوزراء، ومكافحة الفساد، وتحرير حق التجمع والإضراب، وإلغاء الموشح الهمايونى، والقانون الموحد لدور العبادة، وقانون جديد لدعم استقلال القضاء وغيرها.

لم أقل فى هذا اللقاء غير جملة واحدة.. هذه هى ثوابتنا، وهذه هى أجندتنا، وهذا هو قرارنا بشأن الحوار الوطنى وأغلقت الحقيبة وانصرفت الساعة الواحدة بعد ظهر الخميس 27 يناير 2005، بعد 30 دقيقة حاسمة فى حياتى.

للأسف لم أحضر الحوار الذى بدأ بعد 4 أيام من هذا الاجتماع، لأنى كنت وقت بدايته نزيل سجنى بعد إعتقالى من داخل البرلمان بعد ساعات من هذا الإجتماع الأول والأخير

انتهى اللقاء «الصامت» مساء الخميس 27 يناير، ليبدأ كلام صارخ يوم الجمعة 28 يناير 2005 فى أطول يوم فى التاريخ!! والذى انتهى باعتقالى احتياطياً يوم 29 يناير 2005 باتهام ساذج، وإجراءات مضحكة – مبكية حيث كانت غايتها ألا يبدأ اجتماع 31 يناير إلا وأنا خلف القضبان.
*نقلاً عن الشرق
 

حول الموقع

سام برس