بقلم / حاتم الصالحي
سأدوّن هنا تجربتين عشتها مع المفاضلة .. الأولى في 2008م كانت للتقدم على شغل وظيفة شاغرة بالمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون، والثانية في 2016م للتقدم على مقعد دراسي بالسفارة اليمنية بالقاهرة.

في كلتا التجربتين لم يكن لدي أي واسطة أو محسوبية سوى شهادتي ، فأنا الطالب الريفي الذي قدم من أدغال السلاسل الجبلية والسهول في وصاب لدراسة البكالوريوس في كلية الإعلام – جامعة صنعاء لم أكن مهتما بالتعرف بالأشخاص من أجل المنفعة كما يفعل البعض، كان جلّ اهتمامي دراستي ، والمرتبة الأولى على زملائي في الدفعة كانت هي شغلي الشاغل ، وبحمد الله تفوقت ، ونلت المرتبة الأولى في جميع سنوات الدراسة، وحققت معدل 91.97% وبتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف .. كما حصلت على معدل 90.8 في تمهيدي ماجستير وتقدير ممتاز في رسالة الماجستير من كلية الإعلام جامعة القاهرة

تجربتي الأولى: في 2008م أعلنت المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون على مقاعد شاغرة في تخصصات مختلفة، كان من بينها 22 وظيفة في مجال إعداد وتقديم البرامج، وتم التقديم على الوظائف في ثلاث محافظات يمنية هي : صنعاء وعدن والمكلا لتحقيق العدالة في القدرة على وصول المتقدمين للجنة المفاضلة .. وكأي شخص توجهت إلى المقر الرئيس للمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون بصنعاء لتقديم وثائقي ، وهناك في المؤسسة قابلتنا لجنة مختصة باستقبال الوثائق ، وتم مطابقة أصول الوثائق، وإعطونا سند رسمي بالوثائق التي تم تسليمها. وبعدها بأسبوعين تم اقفال باب التقديم وبدأت المرحلة الثانية وهي إجراء اختبارات قبول في اللغتين العربية والإنجليزية وفي تخصص الإعلام، وتم إجراء الاختبار في الثلاث المحافظات التي تم التقديم فيها، وتم إعلان كشوفات المتقدمين بالتخصص والتقدير وسنوات الخبرة في الصحيفة الرسمية: صحيفة الثورة، كان المتقدمون كُثر فقد بلغ عددهم أكثر من 400 متقدم على 22 وظيفة، بعدها تم إجراء مقابلات شخصية للمتقدمين من قبل لجنة مختصة في الإعلام ، أذكر حينها أن اللجنة ترأسها علي أحمد السياني ، وأتذكر ايضا أنه أثناء مقابلة اللجنة لي وبعد أسئلة كثيرة في التخصص قال لي السياني أنت طالب مثقف وتقديرك ممتاز ويُفترض أن تتعين في الجامعة، فرديت عليه أن الجامعة حاليا لم تعلن عن درجات وظيفية ، وأن هذه الدرجة فرصتي مثلي مثل زملائي ، ويشهد الله إنه لم يكن يعرفني قط من قبل ولا توسط لي أحد عنده ، لكنه قال لي بالحرف : نحن نريد موظفين شباب ممتازين مثلك وطموحين وربنا يوفقك .

مرت الأيام ولم أكن أتوقع قبولي بالوظيفة لسببين: هو أن ليس لدي واسطة كبيرة تدعمني في الحصول على الوظيفة، ولأن المتقدمين المنافسين لي كُثر ومعظمهم معروفين على شاشة التلفزيون ، والبعض لديه خبرة طويلة بالعمل، وبعد حوالي شهرين تم إعلان النتائج ووجدت اسمي ضمن المقبولين . عرفت حينها أن اللجنة التي شكلها مدير عام المؤسسة كانت محايدة وأخذت بمعايير المفاضلة (المعدل الدراسي، ونتائج اختبارات القبول) ، غمرتني الفرحة وعرفت أن الوطن مازال بخير ، وأن ثمة أشخاص لا يزالون يعملون بجد وإخلاص،
طبعا هذه الوظيفة (معد برامج في قناة سبأ الفضائية) استقلت منها بعد تكريمي من الرئيس علي عبدالله صالح في يوم العلم وتوجيهه بتعيين الأوائل معيدين في الجامعات ، حيث فضلت الوظيفة الأكاديمية بالجامعة على وظيفة التلفزيون.

تجربتي الثانية في 2016م : حيث أعلنت السفارة اليمنية بالقاهرة عن توفر مقاعد دراسية ، وطلبت من الطلبة الراغبين بالحصول على مقعد دراسي التقدم بوثائقهم .. وكوني موفد جامعة صنعاء لتحضير الماجستير والدكتوراه في مصر ، ونظرا لتعثر منحتي المالية بوزارة المالية منذ بداية عام 2016م ، توجهت للسفارة لتقديم وثائقي ، وكانت الصدمة الأولى أن اللجنة المشكلة للمفاضلة وعلى رأسها السفير السابق الدكتور محمد الهيصمي أنذاك لم يقابلنا منهم أحد وأكتفوا بترك موظف بوابة السفارة لاستلام صور عادية من الوثائق دون مطابقة الأصول، طبعا.

 الكثير أحس أن العملية دبرت بليل وأن المفاضلة مجرد إكليشة لتحسين صورة السفارة أمام الطلاب في حال إعلان المقبولين بالمقاعد ، لأن المقاعد تم توزيعها مسبقا والدليل عدم الاهتمام من قبل اللجنة المشكلة باستقبال الطلاب وفحص وثائقهم، وعدم توضيح معايير المفاضلة.. المهم وكلنا أمرنا لله ، واستبشرنا بتشكيل لجنة جديدة فور قدوم السفير الجديد د/محمد مارم وقلنا بإذن الله يتم إعادة النظر في ما قامت به اللجنة السابقة ، ويتم وضع معايير واضحة للمفاضلة، وإعطاء المقاعد لمستحقيها، وبعد مرور أكثر من أربعة أشهر على التقديم للمفاضلة – كما يسمونها- تفاجأت مثل غيري من الزملاء بظهور أسماء الدبلوماسيين وأبنائهم وأبناء المشايخ في كشوفات المقبولين، وحرمان المستحقين المتميزين ، وغياب المعايير التي تمت المفاضلة عليها؛ لأنه أساسا لم تتم أي مفاضلة سوى المفاضلة بين توجيهات بن دغر ودرجة مكانة ومحسوبية المتقدمين ، هذه هي المعايير التي تم المفاضلة بناءا عليها ، 60 مقعدا للبكالوريوس و35 مقعدا للدراسات العليا تم توزيعها بالمحسوبية والواسطة باستثناء الموفدين الجدد من الجامعات الذين تم الرفع باسمائهم من الجامعات والذين أخذوا 19 مقعدا دراسيا ولم يتواجد منهم سوى أربعة أو خمسة موفدين وسيتم توزيع مقاعد غير المتواجدين لاحقا وبنفس الطريقة حسب قوة ومكانة المحسوبية والواسطة .

الجدير بالذكر أن هذه هي المرة الأولى التي أخسر فيها المفاضلة، لأني لم أتعود على الخسران بتوفيق الله وفضله ، سواء في الدراسة أو في العمل ، والمشكلة ليست من عندي ولكن السبب يكمن في أولئك الذين تقاسموا المقاعد ورموا بوثائقنا عرض الحائط ، المشكلة في أولئك الذين لا يخافون الله ولا يتقونه الذين وزعوا المقاعد على أولادهم وأقاربهم وحاشيتهم ومحسوبيهم، ولكن مهما درسوا ونالوا الشهادات سيظل أولئك الذين أخذوا مقاعدنا فاشلين ظالمين وإن حصلوا على الشهادة وإن تبؤوا مناصب عالية سيظللون فاشلين في أعيننا حيثما ذهبوا وأين ما ثقفوا .
وأما نحن فسندعو الله أن يعاقبهم أجلا غير عاجلا ، سندعوه كلما تذكرنا مظلوميتنا فهو حسبنا ونعم الوكيل

حول الموقع

سام برس