سام برس / رفعت سيد أحمد
إن هذه الحركات المُسلّحة منها و"المسيّس"، تدّعي وصلاً بالدين، وتحلم بالخلافة على نهج النبوّة كما تقول أدبيّاتها، فلماذا عندما وصلت إلى السلطة إذ بالدين على يديها يتحوّل إلى أداة لتحقيق مآرب الدنيا، لماذا أخفقوا ولماذا سقط حلم (الخلافة) الذي يجمعهم ؟ ولماذا بات الناس العاديين في البلاد التي ابتليت بربيعهم ... يكرهونهم ؟

لاتزال داعش وأخواتها من حركات الإسلام السياسى المُسلّح تقاتل وتُدمي الأرض، والإنسان في بلاد الإسلام، لم تشاهد طيلة السنوات الست الماضية، سنوات ما يُسمّى زيفاً (بالربيع العربي) تطلق رصاصة واحدة على الكيان الصهيوني، لم يلحظ أحد أن الإخوان عندما حكموا مصر، وتونس، جهّزوا "الجيوش" لتحرير الأقصى، بل وجدوا تطبيعاً دافئاً مع الإدارة الأميركية وإسرائيل، لماذا؟ إن هذه الحركات المُسلّحة منها و"المسيّس"، تدّعي وصلاً بالدين، وتحلم بالخلافة على نهج النبوّة كما تقول أدبيّاتها، فلماذا عندما وصلت إلى السلطة إذ بالدين على يديها يتحوّل إلى أداة لتحقيق مآرب الدنيا، لماذا أخفقوا ولماذا سقط حلم (الخلافة) الذي يجمعهم ؟ ولماذا بات الناس العاديين في البلاد التي ابتليت بربيعهم ... يكرهونهم ؟ .
دعونا للإجابة على هذه التساؤلات نوضح الحقائق التالية :

أولاً : من المؤكّد الآن أن اندلاع ما سُمّي بالربيع العربي لم يكن كله خالصاً لوجه الوطن، والجماهير، بل إن أغلبه كان مفتعلاً، بهدف تحقيق مشروع أكبر لصالح (واشنطن) و(تل أبيب)، وبعضه كان بالفعل ثورات سرعان ما انحرفت بفعل ركوب (المصلحة الأميركية) عليها ومحاولات توظيفها، أما تلك المصلحة، فإن أحد وسائلها هو استخدام الحركات الإسلامية وفي مقدمتها جماعة الإخوان في كل من مصر وتونس وسوريا، بهدف خلق شرعية أوسع وأعمق لعلاقات مقبلة (كانوا يخطّطون لها) مع الكيان الصهيوني ولدور أميركي أكثر شعبية من زاوية تصوّرهم أن الحركات الإسلامية وبخاصة الإخوان هم الجماعة الأكثر عدداً وشعبية وحضوراً، وبدلاً من الاعتماد على الأنظمة الاستبدادية التي شاخت على مقاعدها (كنظام مبارك أو زين العابدين) يتم استبدالها بأنظمة ذات نكهة مختلفة في الشكل وإن بقي القلب، أميركياً. أما استخدامهم في سوريا فكان هدفه ضرب مشروع المقاومة على امتداده وبالذات حاضنته الأكبر، سوريا، مع الثأر منه ثأراً مريراً من خلال تحطيم وتفكيك الدولة السورية وإشغال جيشها وحلفائها في التصدّي لجماعات الارتزاق والإرهاب الديني السياسية بعيداً عن فلسطين التي كانت في القلب وفي أعلى سلّم الأولويات.

 إن الهدف الأميركي إذن من الربيع العربي المزعوم كان إنشاء ما يُسمّى بالشرق الأوسط الجديد هذه المرة ولكن بـ(لحية) تجعل الجمهور ينخدع ويتشابه البقر عليه وقد كان، واستمر الحال ثلاثة أعوام عجاف في مصر وتونس، وستة أعوام في سوريا، إلا أن الأمور سرعان ما تغيّرت، وتعافت مصر وسوريا وتونس، ولكن بعد تضحيات جسام.

 إن الربيع كان (عربياً) ونقيّاً في بداياته ولكن الاستخدام الوظيفي للإخوان وللحية الإسلامية انحرف عن مساره، لقد كان الإخوان (جماعة وظيفية) مثلها مثل (داعش) مثلها مثل (إسرائيل) !! .

ثانياً : من ملامح الربيع الأميركي المزّيف أيضاً أن مشروع الإخوان والحركات الإسلامية في حلم بناء الدولة الإسلامية، يمكن توصيفه بأنه كان (صرحاً من خيال فهوى)، وهو هوى من تلقاء نفسه ولتناقضاته الداخلية ونتيجة أخطاء استراتيجية وقع فيها، أبرزها : الانفراد بالسلطة، وإقصاء الآخرين (خاصة في مصر) والتكالب على العلاقة مع واشنطن ونسيان فلسطين كقضية مركزية للأمّة وعدم استعداده الجيّد لملء الفراغ السياسي ديمقراطياً بعد رحيل من أسماها بالأنظمة المُستبدّة، وعدم قراءته للواقع جيّداً وتعامله خاصة مع الحال المصرية وكأنها دولة صغيرة حديثة العهد بالسياسة، فسقط الوهم وتراجع الإخوان عقوداً إلى الوراء وأصيب مشروعهم بنكبة وكراهية واسعة !! .

ثالثاً : ما لم يفهمه الإخوان وغالب الحركات الإسلامية أن القاسم الذي يجمعهم جميعاً وهو (الخلافة) مبني على أوهام وعلى حقائق مغلوطة وهي أن " العثمانيين " الذين تُنسب إليهم الحركات الإسلامية وهم (الخلافة) ، تدّعي تلك الحركات أن هؤلاء العثمانيين كانوا حكاماً عادلين لدولة إسلامية مترامية الأطراف، والواقع أنهم كانوا قتَلَة واستبداديين منذ البداية (ولنتأمّل ما أورده على سبيل المثال إبن إياس في كتابه (بدائع الزهور في واقع الدهور)، من فظائع ودسائس قام بها الحكّام العثمانيون ضدّ مصر وحكامها وشعبها (القتل والتمثيل بقانصوه الغوري على سبيل المثال) في بدايات تأسيس دولتهم وفي حُكمهم باسم الخلافة، حتى الخلافة الأولى في عهد الصحابة (رضوان الله عليهم جميعاً) لم تكن نقية خالصة بل إن ثلاثة من الخلفاء الراشدين قتلوا من قِبَل متطرّفين (يشبهون داعش الآن) باسم الانحراف عن الإسلام رغم أنهم كانوا من أفضل البشر وأكرمهم!!.

رابعاً : من الأوهام التي سقطت أيضاً مع الربيع العربي ويُعدّ بمثابة الوهم الثاني الذي تقام عليه (الدولة) الإسلامية التي هي حُلم غالب الإسلاميين، هو القول بأن (الشرعية الإسلامية) صالحة لكل زمان ومكان وهو قول يحتاج إلى تحرير وتوضيح لأن الشريعة تنقسم إلى (عبادات) و(معاملات) والأولى قد ينطبق عليها القول أنها صالحة لكل زمان ومكان، أما الثانية فإنها تتغيّر بتغيّر المجتمعات، ومصلحة الناس خاصة أنها تتّصل بأمور الحياة والدنيا والعِلم والحضارة، وليس عيباً أن تتطوّر لتواكب هذه المستجدات، أما الجمود عندها فإنه يؤدّي بالأمة إلى كوارث مثل تلك التي ترتكبها داعش والقاعدة وأخواتهما اليوم.

إن تطبيق الشريعة ينبغي أن يكون مرناً، وأن تتم الاستفادة من (القانون الوضعي في تطوّراته العالمية الجديدة) طالما لم يتعارض مع الأصول والخطوط العامة لهذه الشريعة، ففي ذلك منجاة للأمّة من كوارث مخطّطات الجماعات الإسلامية التي تهتم بالشكل من دون الجوهر، وبدغدغة مشاعر عموم الناس من دون تقديم بديل لدولة إسلامية حديثة تؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان ويحكمها دستور مدني واسع الأفق وتؤمن بتحرير فلسطين وليس بالتجارة بقضيتها!!.

 إن داعش وأخواتها لا يضعون فواصل قاطعة بين المدى الذي ينبغي أن تتوقّف عنده (الشريعة) ليبدأ القانون الوضعي، فالأمر لديهم عائم ومسطّح وممتد وهذا ما أخاف الناس وأسقط مشروعهم، وهم – أي الدواعش – متعاونون مع العدو الصهيونى ويعالجون في مستشفياتهم في الجولان المحتل، ولذلك الشعوب العربية التي ابتليت بهم، غير مقتنعة بدعواهم وخطابهم الإسلامي المزيّف، لأن الإسلام الحق هو الذي يضع القدس وتحريرها على سلّم أولويّاته.

خامساً : إن ما ارتكبه أبوبكر البغدادي وجماعته داعش، ومن لف لفها من الحركات الإسلامية في سوريا ومصر والعراق وليبيا، وباقي البلاد العربية، يندى له الجبين الإسلامى ويُسيء إلى الإسلام ذاته ولن يسهل إصلاح مفاسده لأجيال قادمة، وهو يخدم بالأساس من خلق ودرّب وموّل هكذا حركات إرهابية خلال السنوات الست الماضية ونقصد به تحديداً واشنطن وتل أبيب وتركيا ومشيخيات الخليج وغيرها، لقد استخدمت هذه الجماعات مصطلح (الخلافة) وبريقه لتجنيد مزيد من الإرهابيين – وليس لبناء دولة إسلامية عادلة – لقد كان هدفها بالأساس تفكيك البلاد التي كانت موحّدة واستنزاف قدراتها وجيوشها، وفي مقدّمها (سوريا)؛ والمستفيد الأول من هذا الدور الخطير لجماعات الإسلام السياسي و"خلافتهم" المزعومة، هو إسرائيل، ومن هنا ينبغى التنبيه أن (الخلافة) كمصطلح ومفهوم ودعوة أصبحت سيّئة السمعة بعد أن صار (أبوبكر البغدادي) هو (الخليفة)، لأن المستفيد منه، كان ولايزال، هو أعداء هذه الأمّة وفي مقدّمهم إسرائيل، فالدم الذي أريق، والموارد التي أهدرت، والبشر الذين هجروا من ديارهم، عرباً ومسلمين، والانحراف الأكبر بعيداً عن الأقصى والقدس والانشغال بالهمّ الداخلي لم يخدم سوى الكيان الصهيوني، ولو أن إسرائيل مُنصفة لأقامت لهذا الخليفة تمثالاً في قلب تل أبيب تكريماً له لقيامه بالدور نيابة عنها، دور تمزيق الأمّة، واستنزاف الجيوش، وحرف البوصلة بعيداً عن فلسطين .. إلا أن لكل هذا العبث نهاية، ما بقيت حركات إسلامية أخرى واعية وفاهمة لدور الإسلام في المجتمع وليس في السلطة ولموقعية فلسطين في برنامج عملها التاريخي، وفي مقدّمة تلك الحركات يأتي (حزب الله) اللبناني معبّراً عن الإسلام الشيعي الحقيقي وحركة (الجهاد الإسلامى) الفلسطينية، معبّرة عن الإسلام السنّي الحق (رغم أن كاتب هذه السطور من المؤمنين بأن الإسلام واحد، وأن التفرقة بين سنّى وشيعى خاطئة تماماً ونحن نقدّمها هنا للتعبير وللفهم العام ليس إلا) .

 إن حزب الله وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ومن سار على دربهما المقاوم النقي، هم الحركات الإسلامية الحقّة أما ما عداهم من (إخوان) و(دواعش) و(وهّابية) فهم إسلاميون شكلاً، إسرائيليون دوراً ووظيفة ومآلاً .. والذي هو حتماً مآل الفشل والاندثار. والله أعلم !! .

*كاتب ومفكر قومى من مصر
المصدر: الميادين ن

حول الموقع

سام برس