بقلم / فادى عيد
لم تكن القمة العربية المنعقدة بالبحر الميت الا حلقة ختامية لمرحلة شهدت لقاءات واتصالات وزيارات مكوكية بعد مجئ الرئيس الامريكي دونالد ترامب وبرعايته، فتوقيتات زيارات واتصالات القادة العرب بالرئيس الامريكي الجديد توضح بعض الامور، وتحرك وهدف اسرائيل من كل ما حدث، وما دار بالبحر الميت يوضح المشهد مجملا، والى اين نحن ذاهبون.

فدولة الاحتلال برغم عدوانها المتكرر على سوريا، وعدم توقف الاستيطان، والتفنن فى الاعتداء على ساحة الاقصى، وتصفية العديد من عناصر حماس اخرها مازن فقها، ثم الاستيلاء على ثلاث بلوكات بحرية لبنانية ، قبل ان تطلب من ترامب ان يضغط على بيروت لتعديل المناقصات التى ستطرحها لبنان بخصوص اكتشاف النفط بمياها الاقليمية، لم يتطرق لها أي زعيم عربي بأي أدانة، فما التحدى الاكبر والاخطر اذا الذى يواجه العرب اليوم، حقيقة الامر هناك ثلاث مشاهد يشرحو لنا كل ما حضر بالكواليس الفترة الماضية سواء كان بواشنطن او تل أبيب أو العقبة أو غيرها.

المشهد الاول: واستكمالا لمسيرة السيد/ عمرو موسي، فقد وجهت الجامعة العربية طعنة جديدة لليبيا وشعبها وجيشها، بعد أن منحت قبلة الحياة للمنتهي أكلينكيا وسياسيا فايز السراج، والبداية لم تكن من اليوم، بل بتحضيرات ولقاءات السيد/ احمد ابو الغيط مع موجيريني وغيرها بالفترة الاخيرة، وأكتمل الامر بالامس عندما أعلن العاهل السعودي دعمه للمبادرة التونسية تجاه ليبيا اثناء لقائه برئيس تونس، قبل أن يتوجه الباجي السبسي بدعوة المشير خليفة حفتر للاجتماع معه فى تونس، ولكن الجنرال الليبي الذى أتهم تونس بالانحياز لجماعة الاخوان الارهابية فى طرابلس لم يبلغ السبسي أي رد حتى الان، كما لا نغفل التحرك السعودي الاخير بالملف الليبي والذى جاء لخدمة أمين المصالح الغربية بليبيا فايز السراج، واستكمالا لدورها فى 2011 عندما قامت بتحييد الصين عن مساندة القذافي، ودعم الحظر الجوي بليبيا تمهيدا لتدمير بنيتها التحتية على يد حلف الناتو، ودور بندر بن سلطان مدير الاستخبارات السعودية الكارثي وقتها تجاه ليبيا.

المشهد الثاني: عودة الاتصال بين القاهرة والرياض، وهى بدأت مع زيارة محمد بن سلمان لواشنطن، والتى انعكست بشكل مباشرة فى عودة ارامكو لتصدير النفط مرة اخرى لمصر، وبتأكيد لن يكون حرص ترامب (أو نتنياهو) الذى ينتظر الان العاهل الاردني لمعرفة نتائج الكواليس بعيدا عن المشهد السطحي المعتاد للقمة العربية، حريص على عودة العلاقات بين القاهرة والرياض لوحدة الصف العربي، كما أن الاستدارة السعودية السريعة نحو مصر والاردن ليست من أجل عيون الشعبي المصري والاردني، وجائت بأمر ترامب، وربما نرى السيسي الشهر المقبل بالرياض، فلماذا أذا ترامب أو بالاحرى نتنياهو يعيد تشكيلة تحالفات العرب.

المشهد الثالث: دعم خادم القاعدتين الامريكتين تميم للتنظيمات الارهابية صراحه، وفى مقدمتها جماعة الاخوان، الامرالذى يؤكد أن جماعة الاخوان تستعد لمرحلة جديدة مقبلة عليها بما فيها مصر، خاصة أن الكثير منهم يتشدق بطوق المراجعات الفكرية، كي تكون بوابة لهم للخروج من المعتقالات، ثم معاودة ممارسة نفس فكرهم الاصولي ونشاطهم الارهابي كما فعلو بكافة العهود السابقة، خاصة ان جماعة الاخوان تنظر لمستقبلها بعد منتصف العام القادم، أي مرحلة ما بعد الرئيس السيسي، فى ظل تمدد التيار السلفي فى الشارع المصري.

ومن المشاهد التى لا تفوتنا، ذهاب سعد الحريري للرياض على نفس طائرة الملك سلمان بعد سلسلة تصريحات نارية اطلقها الحريري بالفترة الاخيرة بالقاهرة ضد ايران وحزب الله، ولم تأتى اسرائيل بعد ما قامت به بمياه لبنان الاقليمية على لسانه قط، وهو الامر الذى يعكس لنا ما يتم تحضيره بالاقليم، وكيف عاد الحريرى للحضن الدافئ بالرياض وكسر ولو جزء من حالة الخصام مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف بعد صراع طويل بينهم.

حقيقة الامر الان يتم احياء ما يسمى بمشروع دول الاعتدال، ولكن تحت مسمى "المحور السني" لمواجهة ايران بنيابة عن اسرائيل، وهو المشروع الذى كلف به الملك الاب الملك الحسين منذ ثلاثون عاما فى القمة العربية عام 1987 والتى اقيمت بالاردن ايضا، وها هو الاردن الذى دائما وابدا يتحفنا بمصطلحات اقليمية نارية، كمصطلح "الهلال الشيعي" الذى طرحه العاهل الاردني الحالي، او مصطلح "حزام بري ايراني" وهى تعود لرئيس اركان الاردن الحالي يعود مجددا ليطرح لنا شكل الاقليم الجديد بعد فشل تركيا فى تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الكبير، التى أعلنت أنتهاء عملية "درع الفرات" مكتفية بالسيطرة على مدينة الباب، وعلى جانب القضية الفلسطينية فلم تعد تنتظر القضية سوى تصريح دفنها، بينما مشروع فدرلة سوريا يدور فى اروقة اخرى على نار هادئة، أما ملف جزيرتين تيران وصنافير المصريتين، والتى تستموت الرياض للسيطرة عليهم لفرض واقع جديد على الاقليم عبر علاقاتها المباشرة مع اسرائيل، فلا أود التكهن بمصير ذلك الملف، حتى وأن كان تم حسمه، لانه ليس من المعقول أن يقبل الواقع والمنطق، والتاريخ والجغرافيا، دولة عمرها بضعة عقود تنزاع دوله عمرها تخطي سبعة آلاف عاما على ملكية اراضيها.

والان وفى ضوء الرؤية التى نطرحها على حضراتكم نفهم معنى تهديدات السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي أمام المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية (ايباك) بضرب كل من يعادي إسرائيل بالحذاء، قبل انطلاق القمة العربية بيومين، عندما قالت: أن زمن التقريع بإسرائيل قد ولى، وأنا أرتدي حذاء ذا كعب عال ليس من باب الموضة، بل لأضرب به مجددا في كل مرة يحدث فيها شيء خاطئ، وأن إدارة ترامب تختلف عن إدارة أوباما فيما يتعلق بالتعامل مع اسرائيل، وأنا لم أتي إلى هنا كي ألعب، بل لتأكيد عودة الولايات المتحدة للقيادة، فإن  قرار 2234 الذي صدر في نهاية العام المنصرم (قرار ادانة الاستيطان الإسرائيلي) كان بمثابة ركلة في البطن شعرت بها الولايات المتحدة، ومثل ذلك الشئ لن يتكرر مجددا.

اخيرا وليس أخرا فقدت القمم العربية الكثير من عروبتها مع فراغ مقعد الجمهورية العربية السورية، فحفظ الله أمتنا من شر أبنائها قبل شر أعدائها.


المحلل والباحث السياسى بشؤون الشرق الاوسط
fady.world86@gmail.com

حول الموقع

سام برس