بقلم/ عامر محمد الضبياني
نستهل حديثنا اليوم بقصة عظيمة، لامرأة عظيمة، هي من نساء أهل الجنة، وهي من أبرز الصحابيات التي كان لها دور عظيم وبارز في تأسيس دعائم البيت النبوي ونشر الدعوة وبناء الدولة الإسلامية.. كيف لا؟ وقد شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنه رأها في الجنة.. كيف لا؟ وهي من السابقات الى الإسلام وقدمت ابنها "مالك بن أنس" ذو العشر السنين ليكون خادما لرسول الله واخويها معا ليكونا شهيدين في سبيل الله وشاركت في عدد من الغزوات أبرزها غزوة حنين حيث لعبت دور كبير في تحميس المقاتلين ومداوة الجرحى!!

لم تكن مثالا للبذل والتضحية والعطاء فقط، بل نموذج متكاملا لصفات المراءة المسلمة المؤمنة من تستحق ان تكون من نساء الجنة فعلا.. ولعل ما اثارني في قصتها هو مدى جراءة هذه الصحابية الجليلة وقوتها وعظمتها فلم تكن تخشى في الله لومة لائم، لحتى ان زوجها "مالك ابن النضر الخزرجي" عندما بلغه خبر اسلامها وهو في سفره هددها بالقتل، وعندما بلغها ذلك لم تأبه من تهديده لأنها على يقين بأن من آمنت به سيكفيها شره، وفعلا مات اثناء سفره هذا وقبل عودته اليها.

هي من نساء المدينة ويا لعظمة نساء ورجال المدينة المنورة، تقدم لها "ابو طلحة الأنصاري" وهو حينها لم يكن مسلما وعرض عليها مالا كبيرا للزواج بها، فردت عليه بقولها "والله ما اعيب فيك شيئا.. الا انك لست بمسلم.. فأن اسلمت فذلك مهري".. فانطلق على الفور الى رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنا إسلامه وكان بطلا مجاهدا في سبيل الله.. شارك في عدد من الغزوات مع رسول الله(ص)، بل وكان يحمي بصدره رسول الله(ص) من السهام في غزوة أحد ومدحه رسول الله(ص) بقوله "جاءكم ابو طلحة وعزة الإسلام بين عينيه".

لم تكن تلك هي "ام سليم" التي تستحق ان تكون من نساء الجنة فقط، بل يحسب لها دون غيرها من الصحابيات الأخريات انها كانت ذو جراءة في حديثها.. وقوة في خطابها.. حريصة في دينها ودنياها.. لحتى أنها استفت النبي(ص) في أمور فقهية تخص النساء لم تكن حتى زوجات النبي(ص) يقدرن على ذلك، ويرجع علماء الفقة والسنة ذلك الفضل لام سليم.. كما انها ذات يوم عندما مرض ابنها "عبدالله" وزوجها غائب.. داوته وجلست بجواره حتى مات فغسلته بنفسها وكفنته ودفتنه محتسبة لله صابرة راضية..

ولما عاد "ابوطلحة" في الليل لم تفزعه، بل قدمت له العشاء ولم تحدثه بوفاة ابنه حتى إستراح، وعندما كان جاهزا لسماع الخبر قالت له "يا أبا طلحة: أرأيت لو ان قوما اعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم، الهم ان يمنعوا عليهم ذلك؟ قال لا.. قالت احتسب ابنك فقد قبض الله عاريته" فغضب غضب شديد لانها لم تخبره بوفاة ابنه قبل ان ينام وشكاها للنبي صلى الله عليه وسلم فمدحها النبي(ص) وقال "بارك الله لكما في غابر ليلتكما" فحملت منه في ذات الليلة وولدت له غلاما ثم رزقت بعد ذلك بتسعة أولاد كلهم حفظة للقرآن الكريم..

نستفيد من هذه القصة الحقيقية التي قرأت عنها في عدد من المراجع والسير من أمهات الكتب، واعدت صياغتها بطريقتي الخاصة، دروس وعبر شتى لزوجاتنا، وخواتنا، وبناتنا، ليقتدين بصحابية عظيمة من نساء أهل الجنة، صحابية اهتدت بنور الله وحافظت عليه حتى وفاتها، نموذج للمرأة المؤمنة، والزوجة الصالحة، والأم الحنون، والأخت الشجاعة، والمرأة المتفقهة في أمور دينها ودنياها، وليست هي الوحيدة.. بل مصباح من مصابيح كانوا ولازالوا انوارا نهتدي بهم على الدوام.
رحم الله والدي واسكنه فسيح جناته،،
انه سميع محيب..

حول الموقع

سام برس