بقلم / ريم خليفة
منذ الأسبوع الأول من يونيو/ حزيران الجاري وبلدان المنطقة العربية من مشرقها الى مغربها، تعيش حالة من ” الجنون”  على مشهدها السياسي الذي لم يعد يهتم بأي مؤشر يتكلم عن الديمقراطية والحكم الصالح والتعددية والحريات. كل ذلك ضرب بعرض الحائط وبدأت حالة أخرى تصاحب ” الجنون” وهي التخوين وفتح ملفات سوداء تدين تارة وتشتم تارة أخرى عبر الالة الإعلامية التي تحولت من صانع للخبر الى صانع للفتن تحت عناوين بارزة تحمل كلاما كثيرا دون نتيجة سوى اهدار للوقت وللمال وتعكير أجواء الرحمة في شهر الصيام وتشتيت الرأي العام العربي الذي هو ضائع اليوم أكثر من أي وقت أخر.

لكن ماذا تريد بلدان المنطقة العربية بعد العام 2011؟ سؤال يتبادر الى اذهان الكثير من الشباب العربي الذي حلم بالحرية في مقابل أنظمة سياسية لا تتحمل النقد أو قيمته كانسان. فتحول حلمهم الى حلم دموي، مما دفع بالبعض عن بديل مثل فكرعقائدي متطرف او بوق منافق لأنظمة لا تسمع لرجل الشارع.

لنستعد في ذاكرتنا العربية، كيف تعاملت أنظمة الحكم العربية المتعاقبة، منذ الاستقلال وحتى وقتنا الحالي ، مع شتَّى أنواع وسائل ممارسة الديمقراطية، هذا عندما كان هناك هامش متواضع من هذه الديمقراطية. لكن أفسدت الأنظمة هذا الهامش الصغير حتى قمعته بقوانين ومتطلبات مناقضة لحرية التعبير والتجمهر، وأضافت عليها شراء الذِّمم وإثارة النَّعرات الطائفية والقبليّة ثم أردفتها بتزوير الانتخابات، فكانت النتيجة ديمقراطية صورية كاذبة تمثّلت في برلمانات مصالح، وصحف واعلام ومواقع الكترونية مؤيّدة لنظام الحكم ومتآمرة على حقوق المواطن العربي.

من هنا نجد أن التحول نحو الحرية والحكم الصالح في البلدان العربية لا يأتي إلا من خلال إفساح المجال للقوى الطوعية المنبثقة من إرادة المجتمع للمساهمة الفاعلة في حركة التغيير التي تخدم نهضة البلاد. وهذا لا يتم إلا من خلال إطلاق الحريات والتنظيم لمؤسسات المجتمع المدني وللأحزاب السياسية. فما يحدث اليوم في المشهد العربي قضى على كل شكل من اشكال الحرية والتعددية والبحث عن حلول جذرية لترتيب البيت الداخلي فكانت النتيجة ان تدفع الدولة الى منزلق الفتنة والدم وقمع بصورة لا يمكن تجاهلها ولا يمكن ان يخلق استقرارا حقيقا ولكن يمهد الى استمرار النزاع وخلق حروب مستقبلية لن تهدأ داخليا وإقليميا.

لقد نبه تقرير التنمية الانسانية للعام 2016 الصادر عن برنامج الامم المتحدة الانمائي الى عدد من هذه القضايا وتنبأ بكثير من التغييرات قبل حلول بداية مرحلة الانقسام  في يونيو الجاري في المشهد السياسي العربي، وتحدث عن أهمية  تحرير المجتمع المدني من أجل تمهيد أرضية اصلاح قانوني وسياسي شامل  منوها الى سلبيات النزاع اذ دفـع ببلـدان إلـى تخصيـص حصص كبيرة على الانفاق  العسكري والأمني في فترات مختلفة تفاقمت مع العام 2014 ، ممثلة بذلك فرصا ضائعة للاستثمار في التقدم الاقتصادي والاجتماعي اضف الى ذلك التشرد الهائل الذي خلفته النزاعات من خلق مشكلة اللاجئين  والمشاكل المترتبة من جراء ذلك. ولهذا فان إيجاد الحلول السلمية – بحسب التقرير- ووقف العنف وعدم استمراره هو شرط لإحلال السلام الذي بدوره يحقق التنمية. لكن  من دون ذلك ستغرق المنطقة العربية في متاهات طويلة المدى قد تتفاقم مع العام 2020في ظل غياب بيئة وطنية وإقليمية مواتية للسلام والامن خاصة ان  النزاع له تكلفة اقتصادية باهظة الثمن لن تجني منها بلدان المنطقة  سوى مزيد من الدمار والاضمحلال السياسي والاقتصادي الذي قد يخلق اكثر من حالة ” جنون” في المشهد العربي.
كاتبة بحرينية
*نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس