بقلم/ أحمد عبدالله الشاوش
في ظل الحروب العنيفة والاحداث المأساوية والمصالح والأيدولوجيات الفاسدة والثقافات المارقة للقاعدة وداعش والنُخب السياسية القذرة التي أرقت الاسرة وأزهقت أرواح المجتمع وأرعبت العالم العربي والاسلامي ، تحولت كل فرحة ، ولحظة سعادة ، وبارقة أمل في الدفاع عن حقوق وتكريم " المرأة" الى مجرد ظاهرة صوتية ، وحزن و مآسي بلاحدود .

ولذلك مرت مناسبتي عيد الام واليوم العالمي للمرأة مرور الكرام نتيجة للأحداث الجسام ، وكانت التغطية الاخبارية بالمناسبة عند غير مستوى الحدث ، مقارنة بالكم الهائل من أخبار الساعة الملتهبة التي حولت كل بيت يمني وعربي ومسلم الى جحيم وجزأة الدولة الى دويلات وولايات وجماعات وعصابات ، بعد ان غابت الحكمة وتاه العقل وخُطف التفكير وزاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر، لسقوط النُخب التي أوقعتنا في ثقافة الثأر والانتقام و لحظات التوحش المخضبة بالفقر والجوع والعطش والبطالة والتشرد والتهجير التي طغت على كل جميل وحولت افراحنا الى أحزان.

كل تلك الاحداث الجسيمة والمؤلمة كانت السبب الرئيس في عدم اكتمال الفرحة وانصاف المرأة والاخذ بيد شقائق الرجال الى المكانة الرفيعة والدفع بها في ميادين العلم والعمل والبناء والمشاركة في تعمير الاخلاق والاوطان بعيداً عن ثقافة الماضي التي تجعل المرأة مجرد متاع او شيطان وعبد مسلوب الارادة .

ولذلك لم يكن الاحتفال بالصورة اللائقة لـ" الام" التي قدمت الغالي والنفيس في سبيل تربية وتعليم أطفالها والمعاناة الكبيرة خلال مدة الحمل والولادة والرضاعة ومسؤولياتها تجاه البيت وتحملها نوائب الدهر بعد ان قدمت الكثير من التضحيات في الدفاع عن الاوطان ، وأحياناً دفعت ضريبة كبيرة لقوى التوحش ، وماتزال المرأة نواة الاسرة وعمادها وبوصلة الامومة ، تناضل و تبحث عن لقمة العيش من أجل البقاء على قيد الحياة بعد ان تعرضت الكثير من النساء في اليمن والعلم العربي والاسلامي الى الظلم وعدم الوفاء بحقوقها القانونية والشرعية والانسانية وحرمانها من الميراث والنظرة القاصرة ووصفها بناقصة الدين والعقل والميراث والتشكيك في قدراتها وذكائها ، وحرمانها من تبوأ القضاء والوصول الى الرئاسة ، ما جعلها تخوض صراعاً كبيراً لترسيخ أقدامها وتغيير نظرة المجتمع السلبية من خلال تحقيق طموحاتها واحلامها وآمالها وتصحيح المفاهيم المغلوطة قدر الامكان.

لقد قدمت المرأة عبر التاريخ القديم والمعاصر تضحيات جسيمة ، وصور مشرفة ومشاهد مأساوية في سبيل تحررها ومساواتها بالرجل الذي حملته حيناً من الدهر دون مَن أو مقابل ، وقدمت نفسها قرباناً ، وفقدت الاب والزوج وفلذات الاكباد أو الاخوة والاقارب في الحروب والصراعات العبثية ، وغيرها من وسائل القتل والخطف والاغتيال والتشريد والتهجير والاعتقال والاخفاء والمتاجرة بها خارج اطار القانون ، وتلقت المرأة صدمة تلو الاخرى وتحولت لحظاتها وأعيادها الى كابوس ودموع واطلال.

ولذلك فإننا لم نف للمرأة " الام" صانعة الرجال جزء من الوفاء أو حتى مناسبة رمزية تليق بها ، رغم تدفقها بالرحمة والحنان والعطف والشفقة ، لنكتشف أن من يتنكر لـ" الام" وحول ايامها الى جحيم هو من تشبع بثقافة التوحش الذكورية التي أوصلته الى السلطة بعد ان قفز على الاخلاق وأفتقد الوفاء وتجرد من الرحمة ، وما معاناة المرأة في سوريا والعراق وليبيا واليمن ،،،إلا خير شاهد على مدى المأساة والسقوط الإنساني لنزوة الجحود .

عذراً والدتي يا أجمل وأنقى وأصدق واعز انسانة الى قلبي .. يامن أنرت دربي وفكري وعقلي وبصيرتي وكنتي فؤادي النابض وروحي الحي وضميري الصاح..مازلت أتذكر حنانك وهدؤك ونصائحك وكرمك وبساطتك وصبرك وتربيتك وهمساتك و طيبتك وقناعتك وزهدك ورضاك ونضالك وتضحيتك وخيرك الذي أثمر في تربيتنا وأمتد الى كل عزيز.

ولذلك فإن الخصال والسجايا والقيم كانت بمثابة القوة والعزيمة وسبباً في الاستقامة والصلاح والهداية والتواضع والمعرفة والايمان ، وصلواتك وركوعك وسجودك ودعائك وصيامك وايمانك بلغة القرآن والسنة النبوية هو انعكاس للمعدن الاصيل ، فو الله لوخيروني بينك وبين كنوز العالم لاخترتك الى الابد ، وصدق رسوالله القائل " الجنة تحت أقدام الامهات" .. نامي قريرة العين يامن حبلك موصول بخالق السماوات والأرض وذكراك في سجل الخالدين.

وتقديراً للمرأة العاملة ومن باب الانصاف فإن المرأة " الريفية " هي اساس التنمية وجزء من عجلة الاقتصاد واليد المباركة التي تقدم الكثير من التضحيات ، ومن الوفاء والعدل ان نشيد بالمرأة " الريفية " المنتجة التي تُعد بمثابة " الجندي المجهول ، رغم اخلاقها الرفيعة ونشاطها الدؤوب وتربية الاطفال والقيام بإعمال البيت والعمل في الزراعة وتربية الماشية والصناعات الحرفية ، في حين يقطف الاخرين الثمار او يتم تناسي المآثر الجليلة.

واذا ما غوصنا في اعماق تاريخ المرأة قبل الاسلام واستشرفنا لمحة تاريخية، نجد ما يشيب له الرأس ، انها كانت في نظرهم على مر العصور كائناً منحطا و شيطانا رجيما ومجرد سلعة تُشتري وتباع في الاسواق وليس لها أي حقوق .. وفي " روما " حيوان نجس أو أنها بلا روح ولا خلود ولكن يجب عليها العبادة والخدمة وتمنع من الضحك والكلام.. في حين سجلت الحضارة الفرعونية بصمة كبيرة في تقدير المرأة فكانت المرأة الفرعونية لها الحق في الورث وكانت تملك وتتولى أمر أُسرتها في غياب زوجها ،وكانوا يعتقدون أن المرأة أكثر كمالاً من الرجل ، وقد تولت الحكم خمس نساء في عهد الفراعنة ، ورغم ذلك لم تسلم المرأة في الحضارة الفرعونية من الظلم فقد كانت هناك ظاهرة عروس النيل حيث كانت تزين المرأة بالحلي وبالثياب الجميلة وتلقى في النهر .

بينما كانت المرأة عند الإغريق شجرة مسمومة ومحتقرة ومحل بيع وشراء حتي سموها رجس من عمل الشيطان ، و لم تسلم من فلاسفة الإغريق ، حيث قال أرسطو"ثلاث ليس لهنَّ التصرُّف في أنفسهنَّ: العبد ليس له إرادة، والطِّفل له إرادة ناقِصة، والمرأة لها إرادة وهي عاجِزة... اما سقراط فقال "إنَّ وجودَ المرأة هو أكبر منشأ ومصْدر للأزمة والانهيار في العالَم، إنَّ المرأة تُشبه شجرةً مَسْمومة .. في حين ان مكانة المرأة في حضارة الرومان سلع رخيصة يتصرف الرجل فيها كيف يشا، وكان يعتبرها الرجال شراً لا بد من اجتنابه وفي روما لم يتهموا بحقوق المرأة وعليها واجبات وليس لها حقوق وهي أشبه بالعبد وحكموا عليها بالطاعة وعدم الكلام ، وحكموا عليها بأن تضع على فمها قفلاً كانوا يسمونه الموزلير فكانت النساء جميعهم من أعالي الأسر وأدناها تسير في الطرقات وفي فمها قفل وتروح وتغدو في دارها وفي فمها قفل من حديد وغيرها من العقوبات بسكب الزيت الحار والنار على جسمها ، ،كما انها في الحضارة البابلية والفارسية والهندية والصينية لن يجد القارئ والمتابع للتاريخ سوي ظلم للمرأة واضطهاد ، ففي الصّين كان يُنظرُ للمرأة كحيوان معتوهٍ حقيرٍ ومُهان، وكانت المرأة في الهند تـُدفن أو تـُحرَق مع زوجها حينَ يموت.. ورغم ان الإسلام أنصف المرأة ورفع من مكانتها ، إلا ان من تحولوا الى سدنة واوصيا وعلماء وخلفاء ا صنعوا بعض العراقيل وسنوا بعض التفسيرات والتأويلات والتشريعات المقيدة للمرأة بحجج واهية وأبعد ماتكون عن عدالة السماء وأخلاق القرآن وفنون العلم.

ومع ظهور ما يُسمّى بحقوق المرأة في الغرب والقفزة النوعية التي حظيَتْ بها المرأة بصورة غير متوقعة وصار لها مكانة وأتاح لها أن تخرج مِن صمتِها بإزالةِ الحواجز والايمان بضرورة إسهامِها في الحياة كشاعرة واديبة وملكة وطبيبة حاكمة ومحاربة وحكيمة ومهندسة وسياسية وتربوية ، ورغم التميز في مجالات كثيرة وابداع المرأة الحديدية تاتشر ، والمستشارة الألمانية ميركل ،،، إلا انه للأسف الشديد تم المتاجرة بالمرأة كسلعة في الاعلانات ولحم رخيص في الحانات والحط من كرامتها بالقانون!! ما أدى الى تأثر الشرق بالغرب وأخفقت الانظمة العربية والاسلامية او تفاوتت في الانتصار لقضايا المرأة نتيجة للعادات والتقاليد والاعراف والثقافة الذكورية وتسلط الايدلوجيات ، واستطاعت في فترات تاريخية ان تدخل التاريخ من أوسع أبوابه و تقود الامة بإرادة وثقة وذكاء وكفاءه نادرة ، وما ملكة الفراعنة حتشبسوت والملكة بلقيس وأروى بنت أحمد الصليحي ونساء النبي محمد عليه السلام ، عائشة ، وخديجة ، وأم سلمة ، وأم عمارة نسيبة بنت ، كعب، أم سليم ، وفاطمة الزهراء ابنت الرسول صلوات الله عليه ، والشاعرة غزال المقدشية ، وزرقاء اليمامة والاديبة بنت المستكفي، وشجرة الدر ، وزنوبيا ، وكليوباترا ، امة العليم السوسوة وهدى الضبة ورؤوفة حسن ، ومريم جمعان أول امرأة بحرينية تحصل على الزمالة الهندسية الكيميائية من بين 97 امرأة على مستوى العالم ، وعائشة الهاملى التي تٌعد أول امرأة تقود طائرة في الإمارات ، والكثير من الرائدات اللاتي طرحن بصمة عظيمة وحققن إنجازات فريدة وسمعة طيبة في جميع مجالات الحياة رغم التسلط.

وأخيراً هل تنتصر المرأة على العادات والتقاليد والاعراف والثقافة الذكورية المتسلطة ، كل المؤشرات تؤكد ان المراة أستطاعت ان تزيل حاجز الخوف وان تعيد الثقة في نفسها وتحقق طموحاتها وآمالها بالعلم ومكارم الاخلاق بصورة ملفته للنظر، طالما نعيش في عالم متغير وفقاً لمجريات الاحداث ولسنن الحياة.

حول الموقع

سام برس