بقلم/ جميل مفرح

وتتوالى الهزائم والخسارات.. وتستمر الخيبات..اليوم نفقد زميل الكلمة والابتسامة ومتاعب المهنة، عميد المصححين في الصحافة اليمنية الأستاذ القدير والصديق الحبيب العم طه عبدالصمد رحمة الله تغشاه..

من يوم لآخر تنجح الأحزان والمواجع في غزو أعماقنا واجترارنا إلى مساحات ليس فيها إلا البكاء سيداً والحزن مسيطراً..

مَنْ بعد اليوم سيتنقل بين المكاتب والمقايل داخل مؤسستنا يطوي صحيفة أو مسودة مقالة أو خبراً ليقرأه لنا ويضيء لنا مكامن إعجابه به.. أو يستفز ابتساماتنا بتخريجاته الطريفة وتعليقاته التي لا تخلو من نقد لاذع أو إشادة راقية..؟

من سينورنا بفكره اليساري الحر ويقتل الوجوم الذي لا يكاد يفارقنا بسرد حكاياته وذكرياته مع مهنة المتاعب ونوادرها وشخصياتها ومواقفها التي كان يختزنها في ذاكرته وكأنها كنز موروث يرفض التفريط فيه..؟!

من غيرك سيستطيع أن يكون العم طه أيها الكبير، وأنت ترحل لتثبت فقط أننا نعيش زمن الخسارات والمواجع..؟!

زاملت ورافقت العم طه بضع سنوات وأنا أتشارك معه تصحيح مواد الملحق الثقافي إلى جانب كوني محرراً فيه.. كانت فترة من أجمل وأنضج فترات الإبداع والإنتاج الأدبي والصحفي.. شرفني مرة بشهادة لا أنساها مهما مر من الزمن والأحداث، حين سلمت له مقالة لي لمراجعتها ليوميات الثورة ليقول: وهل هناك من يجرؤ أن يراجع نصاً أو مقالة كتبه أو كتبها شاعر وكاتب كجميل مفرح..؟!

لم أشعر بالوجود من حولي وأنا أنصت لهذه الشهادة وأتمنى لو أنني أستطيع أن أجعلها تتكرر من فم ناقلها مرات ومرات لأزهو بالحياة وكل تفاصيلها، بل كم تمنيت لو أنني سمعتها من فمه مباشرة.. ولم يطل الزمان بأمنيتي ليقابلني بنفسه وقد سحب عدة نسخ من مقالتي ليمر بهاعلى المكاتب وهو يتساءل: بالله عليكم مثل هذا الجمال وهذه اللغة يحتاج إلى مراجعة..؟!

العم طه كان أيقونة محبة وولاء للإنسان والإنسانية في شموليتها، للجمال في شتى صوره، للإبداع في كل مشاربه وأشكاله وصفاته، كان نموذجاً للمثقف الحر المنفلت من كل حدود واشتراطات الولاءات الضيقة والانتماءات المتعصبة، كان اليسار نموذجه المثالي، ومع ذلك لا تنعدم لديه ملاحظات الإعجاب والإكبار تجاه أية شخصية مميزة أو أي حدث متميز في هذا الحزب أو ذاك التنظيم.. تشعر وأنت تقف أمام طرحه وفكره ونقده وإشادته وكأنك أمام العدالة في أبهى أناقتها وأعمق مراكز الجمال فيها وأدمث أخلاقها وأزكى عناوينها..
العم طه.. مدرسة في الأخلاق، في جمال الروح، وفي كم الإنسانية، الذي لا يكف عن التدفق من جوهره الجميل في كل موقف ومجلس ومناسبة تعيشها معه..

إنه العم طه فحسب.. الحديث عنه لا يقبل أن يكون في مناسبة حزينة كافتقاده.. لأننا حين نتحدث عنه لا بد للابتسامات ومشاعر الحب أن تنهال بغزارة محبتنا له واحترامنا لشخصه النبيل والجميل..

الرحمة والمغفرة ليس للعم طه وحسب، وإنما لنا ونحن نرثي أنفسنا برحيله ونرثيه ببقائنا من بعده بدونه.

هناك مساحات أخرى لابد أن نقف فيها لنتذكر العم طه كما يجب وكما يستحق ذلك الكائن الملائكي الذي أبى إلا أن يرفرف بجناحيه مبتعداً عن هذه الضوضاء التي لا تشبهه في شيء..

تعازينا لأنفسنا ولكل من عرف وصادق ورافق العم طه أو تعامل معه من قريب أو من بعيد.. لأن محبته لا يمكن إلا أن تحل محل الروح لدى كل أولئك وهؤلاء..

نفتقدك يا عم طه لأننا أحببناك حقاً ونحبك فعلاً وسنظل بالتأكيد نحبك ونفخر بصداقتك وزمالتك ومحبتك التي كانت تتجاوز كل الحسابات والتوقعات..

وداعاً عم طه.. لن ننساك ما حيينا، لأنك لم تنسنا يوما ما حييت.

حول الموقع

سام برس