ناجي عبدالله الحرازي

تابعنا أنباء توصل اللجنة الرئاسية المكلفة بوضع حد للنزاع في محيط منطقة دماج، لانفاق مع أطراف هذا النزاع قضى في تفاصيله بمغادرة من لا ينتمون للمنطقة ، وخاصة مربع المعهد الديني المسمى "دار الحديث " تلك المنطقة و المعهد .
ثم تابعنا مراحل تنفيذ هذه الخطوة التي يرى البعض أنها كانت – بالنظر إلى ظروف البلاد الراهنة - حتمية و لابد منها لحقن الدماء ووضع حد لاستمرار الفتنة والقتال في تلك المنطقة ، فيما اعتبرها البعض الأخر "جائرة وغير مقبوله " وشبهوها ب عملية " تهجير" داخلية ، رأوا أنها تهدد وحدة النسيج الاجتماعي اليمني التي تبدو جلية في أجزاء واسعة من يمننا الغالي .
وبغض النظر عن هذا الرأي أوذلك ، وعن موقف كل منا مما حدث ويحدث في أنحاء مختلفة من صعدة والمحافظات المجاورة لها ، الا أن المؤكد أن الحكم بمغادرة أو خروج بعض أطراف النزاع ، يذكرنا بقوانين عرفية أو قبلية سنها أسلافنا وارتضوها وعملوا بها لعقود طويلة ، في غياب القوانين والتشريعات الحديثة..
وبعض هذه القوانين العرفية ، كما يعلم المهتمون والمتابعون ، اقتضت في كثير من الأحيان قبول طرف من أطراف النزاع أو التحكيم تنفيذ حكم المحكمين حتى وإن لم يكن مقتنعا به ، تماما كما هو حال أحكام القضاء الحديث ..
ومع إدراك أن بعض هذه القوانين ، بالنظر إلى هدفها النهائي أو ما تسعى لتحقيقه خاصة إذا تعلق الأمر بحقن الدماء ووضع حد للفتنة ، قد يبدو مقبولا ولاغبار عليه ، ولايمكن أن يختلف عليها اثنان من العقلاء ، وخاصة تلك التي تتفق في مضمونها مع القوانين والتشريعات الحديثة ، المستندة للشريعة الإسلامية أو لقوانين ومعاهدات وإتفاقيات دولية ..
الا أن بعضها الأخر يبدو بحاجة إلى تطوير أوتعديل ، حتى لا يقال أننا ما زلنا نعيش في العصور الوسطى ، أو أننا ما زلنا نعاني من زمن تحكمه جغرافية مناطقية ضيقة ، ولم تتحقق في كل أنحائه بعد وحدة النسيج الاجتماعي اليمني التي نعيشها في مدننا الكبرى.
فالقول بأن علينا في هذا العصر أن نقبل بعض الأحكام العرفية أو القبيلية ، كفكرة إخراج أو ترحيل أو طرد "المخرجي" – بضم الميم وتسكين الخاء – أو الذي لا ينتمي لقريتنا أو لمنطقتنا الجغرافية ، كما يحدث في بعض الأحيان هنا وهناك ، وتمثل أخيرا في اتفاق دماج ، هذا القول بات بحاجة للتأمل ، لعلنا نطور هذه الأحكام ونجعلها تتواءم مع نصوص القوانين الحديثة المعمول بها في اليمن الجديد .. يمن الجمهورية والثورة على عصر التخلف والفقر والمرض والجهل ..
كما أن القول بأن علينا قبول أن من حق أو ومن واجب القائمين على مؤسسة ما أو معهد ما أقيم في مكان ما على أسس قد تبدو غريبة عن الأجواء المحيطة به – من حقهم - الدفاع عن بقاء هذا المعهد أو بقائهم فيه بالقوة ، دون مسوغ قانوني واضح يتمتع بحماية السلطات المختصة ..بدءا من الترخيص بإقامته أو طبيعة عمله وحتى تأثيره على من حوله – هذا القول – هو الأخر بحاجة إلى التأمل ، لعلنا نلتزم جميعا بنصوص تشريعاتنا أو قوانينا الحديثة .
ومهما قيل عن حسنات وسيئات قوانيننا العرفية أو القبلية ، فلابد أن لا نسمح لها بأن تتفوق على تشريعاتنا الحديثة التي تستند بدرجة أساسية على مبادئ شريعتنا السمحاء ولا تتعارض مع روح العصر الذي نعيشه ..
فصنعاء لم تعد مدينة أهل صنعاء الأصليين فقط ، وعدن لم يعد يقطنها عدنيون وحدهم ، كما أن صعدة ونواحيها لايجب أن تبقى حكرا لأهل صعده ، ولايجب أن نحتكم لأعراف عفى عليها الزمن..

حول الموقع

سام برس