أحمد سعيد شماخ
إن مقتضيات العولمة بكل إشكالها تغيب دور الدولة وتدخلاتها وتبقي المجتمعات المحلية كالحجارة بأيدي اللاعبين الجدد، ففي اليمن ليس من الواضح اليوم كم ستكون فترة أحمد سعيد شماخ -
إن مقتضيات العولمة بكل إشكالها تغيب دور الدولة وتدخلاتها وتبقي المجتمعات المحلية كالحجارة بأيدي اللاعبين الجدد، ففي اليمن ليس من الواضح اليوم كم ستكون فترة التغيير في الدورة الإنتاجية بعد دخول اليمن إلى منظمة التجارة العالمية wto في ديسمبر 2013فكلما طالت هذه الفترة التأهيلية ازدادت معه فترة الخوف من انفجار سكاني يصاحبه أيضاً ارتفاع طموحات المجتمع، وهنا تشير بعض التقارير والإحصاءات أن حوالي 6ملايين إنسان يمني عاطل عن العمل وأن خلق فرص عمل لهم خلال الفترة المقبلة هو تحدٍ كبير للحكومة اليمنية خصوصاً في ظل نمط العلاقات القائمة مع الدول المحيطة باليمن وداخل الدولة أيضاً في الوقت الذي يتعرض فيه القطاع الخاص اليمني لازمات وصدمات من حين لآخر نتج عن ذلك تفاقم حجم الأموال المتاجر بها في حركة أذون الخزانة وفي السندات الحكومية وغيرها لدى البنك المركزي والبنوك العاملة في اليمن التي وصلت إلى نحو أكثر من ثلاثة تريليون وخمسمائة مليون ريال حتى نهاية نوفمبر 2013م، نظراً لارتفاع سعر الفائدة التي وصلت إلى نحو أكثر من 25%عام 1996وانخفضت تدريجياً حتى وصلت إلى نحو 15% لأذون الخزانة 10% للسندات الحكومية حتى ديسمبر2013م، وهذه الأموال يمتلكها كبار المودعين وقلة من أفراد الجمهور وبعض المؤسسات العامة والخاصة وغيرهم من الباحثين عن الثراء السريع على حساب ملايين اليمنيين الذين لم يجدوا أياً من المشاريع أو المؤسسات التي يمكن أن تخلق لهم أي من فرص العمل اللازمة وأن تعمل على تخفيف البطالة المدمرة في أوساط المجتمع اليمني.
ومع انضمام اليمن لمنظمة التجارة العالمية في ديسمبر 2013 والذي من المتوقع أن تحاول فيه بعض الشركات متعددة الجنسيات إخراج منافسيها المحليين أو غيرهم من السوق اليمنية من خلال تخفيض أسعار منتجاتها إلى أقل من التكلفة بحيث تجعل منافسيها يتحملون بعض الخسائر حتى تغلق أبوابها إلى أن تنفرد هذه الشركات الأجنبية بالمستهلكين ثم تبدأ بعد ذلك برفع أسعارها من جديد ومنه تنتقل إلى مرحلة الاحتكار الكامل. وهنا ينبغي أن تعي الجهات الرسمية اليمنية بما فيه القطاع الخاص أن قوانين وأنظمة الدول الصناعية صارمة لاتزال منغلقة خصوصاً في المجال الزراعي الذي تقدم له هذه الدول دعماً بما مقداره أكثر من 900 مليار دولار وهذا الدعم يفوق 8 أضعاف ما تقدمه هذه الدول للدول النامية. وفي مجال الصناعات الصغيرة عملت هذه الدول حظراً على دخول مثل هذه السلع لبلدانها لحماية هذه المنتجات, غير أن الدول النامية لاتزال تطالب هذه الدول بتحرير تجارة السلع الزراعية فليس لخبراء منظمة التجارة العالمية لديها وزن لأنها تكيل بمكيالين فالدول الصناعية في نفس الوقت تطلب من الدول النامية والفقيرة فتح أسواقها لكل الواردات الخارجية وتبقي في توزيع حصصها بحسب مصالحها فقط بل وتفرض رسوماً جمركية عالية جداً على منتجات الدول الواردة النامية إليها عما تفرضه منظمة التنمية والتعاون على تجارتها البينية، وهذا الأمر قد ترك آثاراً مدمرة على اقتصادات الدول النامية وعلى جهودها التنموية, كما أن الأموال والاستثمارات القادمة إلى الدول النامية والفقيرة لم تكن غالبيتها تستثمر في مشاريع إنتاجية بل إنها هذه الاستثمارات تبحث دائماً عن الربح السريع كالمضاربات بكل أنواعها، وهناك أيضاً شركات أخرى تمارس سياسات الاحتكار والتدمير لكل ماهو وطني محلي وشركات أخرى تمارس أيضاً سياسات الإغراق بامتلاكها العديد من خطوط الإنتاج وفي أكثر من دولة, كما أن المنظمة التجارة العالمية تفرض قيوداً وغرامات مالية كبيرة على من يحاول الانتفاع من مخترعات واكتشافات العصر الحديث من خلال دعمها اللا محدود للسياسات الحمائية التي تفرضها الدول الكبرى على حقوق الملكية الفكريةtrips)) حيث إن 90% من براءة الاختراع والاكتشافات الحديثة تعود ملكيتها لشركات كبرى عالمية، وهذه الشركات هي المستفيده الأول من هذه الاختراعات وليست المجتمعات الفقيرة، فالغرامات الباهظة المفروضة من قبل منظمة التجارة العالمية على من يحاول الاستفادة من المخترعات الحديثة قد أدت هي الأخرى إلى وقوع الآف الأفارقة ضحايا لمرض المناعة المكتسب (الايدز) حيث عملت الدول الغنية على احتكار صناعة هذه الأدوية، وهذا الإجراء كان سبباً رئيسياَ في رحيل أكثر من 16 مليون إنسان، منهم 14مليون شخص في قارة أفريقياً وحدها، ويحمل المرض حوالي أكثر من 40 مليون إنسان حول العالم, كما أن قضية البيئة لم تحل بعد, فهناك تحولات جذرية في مناخ العالم منذ العالم 1950م وحتى العالم 2013م استهلك العالم من السلع والخدمات يعادل ما استخدمته البشرية منذ فجر التاريخ، فعلى سبيل المثال استغل العالم منذ 1940م وحتى اليوم مناجم كوكب الأرض بصورة تعادل ماعرفته البشرية من نشاط تعديني لأكثر من ألف عام، والحال أن سلوك هذا الهدر الذي أدمنت عليه الدول الصناعية هو الذي وضعها لأن تكون هي المتهم الأول وراء تسرب جزء كبير من تلك المخلفات الخطرة والسامة إلى الدول الفقيرة وخصوصاً منها السلع المصاحبة لعمليات التغليف والتعبئة والسلع المنتهية والمقلدة وقريبة الانتهاء , والسلع المستخدمة لمرة واحدة والتي كانت سبباً رئيسياً في موت الأرض الزراعية والإنسان وهجرة الأحياء البحرية والطيور، ومن غير المستبعد أن تكون اليمن هي أحد الضحايا لهذه الدول الصناعية الكبرى.
إن انضمام اليمن لمنظمة التجارة العالمية خلال ديسمبر 2013م أصبح اليوم أمراً حتمياً لا مفر منه، ومنظمة التجارة العالمية وفقاً لأدبياتها تقوم بتعزيز التنافسية فهل لدينا ما ننافس به؟ وماذا اعددنا لهذا التنافس؟
إن انضمام اليمن لمنظمة التجارة العالمية سوف يكون له آثاره السلبية إذا لم تقم الحكومة اليمنية عاجلاً بإصلاح هيكل الاقتصاد اليمني من خلال إعادة صياغة السياسات الاقتصادية ورسم الاستراتيجيات المستقبلية لتحسين ورفع القدرة التنافسية للسلع اليمنية وإظهار الفرص والبدائل المتاحة أمام الصناعات اليمنية والعمل على مساعدة القطاعات الواعدة بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية والتي سوف تعمل على تطوير هذه السياسات والوقوف على أهم العوائق والعقبات التي تحول دون تطور وتحسين القدرة التنافسية للقطاعات الاقتصادية اليمنية، لأن التنافس يخلق الجودة والفاعلية.
ووفقا لما اعتقده أنه لن يتم ذلك إلا من خلال تشكيل فريق التنافسية الوطني المكون من عدة باحثين ليكون مقره لدى وزارة التخطيط اليمنية وفي الغرف التجارية تكون مهمته عمل البحوث والدراسات للقطاعات الواعدة.
* أما الجوانب السلبية لانضمام اليمن لمنظمة التجارة العالمية (wto)
فيمكن حصرها وفقاً لما اعتقده بالآتي:
1- زيادة معدلات البطالة والفقر خصوصاً خلال الفترة الانتقالية المتاحة لليمن لتكييف أوضاعها الاقتصادية للتعامل مع المتغيرات الجديدة خلال الفترة المحددة.
أما على المستوى الزمني الطويل فيعتمد ذلك على مدى قدرة اليمن وتكتلها وتكاملها واندماجها مع محيطها العربي ومع التكتلات الاقتصادية الأخرى لمنع تفاقم تلك المشكلات ومدى قدرتها في تخطي العديد من الصعاب واخص منها:
- الحرب الأهلية والاختلالات الأمنية القائمة.
- الزيادة السكانية التي تعانيها البلاد وأخص بالذكر منها حجم القوى العاملة القائمة حالياً.
- اتجاه اليمن نحو تبني سياسات اقتصادية واجتماعية جديدة.
- اختلال التركيبة السكانية وارتفاع نسبة الإعالة وتدني الإنتاجية.
- أعباء عودة كثير من المهاجرين اليمنيين من المملكة العربية السعودية 2013م دون إيجاد أي حلول لاستيعابهم.
- تراجع فرص العمل في الداخل والخارج.
- زيادة نسبة اللاجئين القادمين من القرن الإفريقي إلى اليمن.
وهذه العوامل والأسباب كلها سوف تعمل على اختلال وتهميش وإضعاف قدرات اليمن الاقتصادية والاجتماعية وإضعاف القدرة الشرائية وتفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أكثر مما هي عليه إذا سمح الله والتي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى خسائر كبيرة فادحة تصيب كل الشركاء الاجتماعيين وسوف تصب لصالح اقتصادات أخرى إقليمية ودولية، كما أن من أهم الآليات التي تستخدمها المؤسسات المعولمة وليس منظمة التجارة العالمية على الشعوب الفقيرة وحكوماتها هو الضغط على الحكومات بتخفيض الدعم الحكومي على أسعار السلع الضرورية وزيادة أسعار الطاقة والتي سوف تكون مؤثرة على أصحاب الأعمال، وزيادة أسعار الخدمات الحكومية كوسائل النقل والمواصلات والتعليم والصحة، وفرض الضرائب المباشرة على المستهلك، وتجميد الرواتب والأجور في القطاع العام والخاص، ووضع حدود عليا لسقوف الائتمان المصرفي، وكذا إلغاء الدعم السلعي وزيادة تحميل المستهلك للخدمات الاجتماعية مثل أسعار خدمات التعليم والصحة إلى غير ذلك.
*عن الثورة اليمنية

حول الموقع

سام برس