الشيخ عبدالمجيد عزيز الزنداني
لا شك بأن الصوم عبادة اختُص الله بها، فلم يُعْبَد غيره من الأنداد والأوثان والأصنام بعبادة الصيام، ولذلك جعل الأجر عليه أضعافاً مضاعفة, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به»(2).
وجعل الله صحة الأبدان من الجزاء العاجل للصوم، كما قال تعالى: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 184], وصحة الأبدان من ذلك الجزاء والخير العاجل الذي تحدثت عنه العديد من المصادر الطبية، ومن أهمها كتاب (معجزة الصيام) للدكتور عبد الجواد الصاوي.
كما جعل الله إعتاق الرقاب من النيران من الجزاء الآجل للصائمين كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة»(3).

· ومن فوائد الصيام :
1- التخلص من السموم:
يتعرض الجسم البشري لكثير من المواد الضارة والسموم التي قد تتراكم في أنسجته وهذه السموم تأتي للجسم عبر الغذاء الذي يتناولـه بكثرة, وتذكر بعض المراجع الطبية(14) أن جميع الأطعمة تقريباً في هذا الزمان تحتوي على كميات قليلة من المواد السامة، وهذه المواد تضاف إلى الطعام أثناء إعداده أو حفظه كالنكهات والألوان ومضادات الأكسدة والمواد الحافظة والإضافات الكيميائية للنبات أو الحيوان.
هذا بالإضافة إلى السموم التي نستنشقها مع الهواء من عوادم السيارات وغازات المصانع، وسموم الأدوية التي يتناولها الناس بغير ضابط, إلى غير ذلك من سموم الكائنات الدقيقة التي تقطن أجسامنا بأعداد تفوق الوصف والحصر, وأخيراً مخلّفات الاحتراق الداخلي للخلايا والتي تسبح في الدم كغاز ثاني أكسيد الكربون واليوريا والكرياتين والأمونيا والكبريتات وحمض اليوريك ومخلفات الغذاء المهضوم والغازات السامة التي تنتج من تخمره وتعفنه مثل الاندول والسكاتول والفينول(15).
كل هذه السموم جعل الله سبحانه للجسم منها فرجاً ومخرجاً حيث يقوم الكبد وهو الجهاز الرئيس بتنظيف الجسم من السموم، غير أن للكبد جهداً وطاقة محدودة وقد يعتري خلاياه بعض الخلل لأسباب مرضية أو لأسباب خلقية كتقدم السن، فيترسب جزء من هذه المواد السامة في أنسجة الجسم وخصوصاً في المخازن الدهنية، وفي الصيام تتحول كميات هائلة من الشحوم المختزنة في الجسم إلى الكبد حتى تؤكسد وينتفع بها وتستخرج منها السموم الذائبة فيها وتزال سميتها ويتخلص منها مع نفايات الجسد.
وبما أن عمليات الهدم في الكبد أثناء الصيام تغلب عمليات البناء في التمثيل الغذائي فإن فرصة طرح السموم المتراكمة في خلايا الجسم تزداد خلال هذه الفترة ويزداد أيضاً نشاط الخلايا الكبدية في إزالة سمية كثير من المواد السامة وهكذا يعتبر الصيام شهادة صحية لأجهزة الجسم بالسلامة.
يقول الدكتور (ماك فادون) وهو من الأطباء العالميين الذين اهتموا بدراسة الصوم وأثره: "إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم وإن لم يكن مريضاً؛ لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض وتثقله فيقل نشاطه, فإذا صام الإنسان تخلص من أعباء هذه السموم وشعر بنشاط وقوة لا عهد لـه بهما من قبل".(16)


2- التخلص من الشحوم:
ترتبط السمنة بالإفراط في تناول الطعام وخصوصاً الأطعمة الغنية بالدهون هذا بالإضافة إلى أن وسائل الحياة المريحة, والسمنة مشكلة واسعة الانتشار, وقد وجد أن السمنة تقترن بزيادة خطر الأمراض القلبية الوعائية مثل قصور القلب والسكتة القلبية ومرض الشريان التاجي ومرض انسداد الشرايين المحيطة بالقلب.
والصيام الشرعي الإسلامي يعتبر النموذج الفريد للوقاية والعلاج من السمنة في آن واحد حيث يمثل الأكل المعتدل والامتناع عنه مع النشاط والحركة عاملين مؤثرين في تخفيف الوزن، وذلك بزيادة معدل استقلاب الغذاء بعد وجبة السحور وتحريك الدهن المختزن لأكسدته في إنتاج الطاقة اللازمة بعد منتصف النهار.
وبهذا يُحْدثُ الصيام الشرعي الإسلامي المتمثل في الحفاظ على وجبة السحور والاعتدال في الأكل والحركة والنشاط أثناء الصيام نظاماً غذائياً ناجحاً في علاج السمنة.
أما نظام التجويع الطويل بالانقطاع الكلي عن الطعام فيؤدي إلى هبوط الاستقلاب نتيجة تثبيط الجهاز الودي (السمبثاوي)، ويكون معظم الوزن المفقود ماءاً، ويبقى الجسم مختزناً بالطاقة والأملاح(17).

3- تجدد الخلايا:
اقتضت حكمة الله تعالى أن يحدث التغيير والتبديل في كل شيء وفق سنة ثابتة, فقد اقتضت هذه السنة في جسم الإنسان أن تتبدل محتوى خلاياه على الأقل كل ستة أشهر, وبعض الأنسجة تتجدد خلاياها في فترات قصيرة تعد بالأيام والأسابيع؛ فتهرم تلك الخلايا ثم تموت وتنشأ أخرى جديدة تواصل مسيرة الحياة حتى يأتي أجل الإنسان.
إن عدد الخلايا التي تموت في الثانية الواحدة في جسم الإنسان يصل إلى 125مليون خلية وأكثر من هذا العدد يتجدد يومياً في سن النمو ومثله في وسط العمر ثم يقل عدد الخلايا المتجددة مع تقدم السن(18).
وبما أن الأحماض الأمينية هي التي تشكل البنية الأساسية في الخلايا ففي الصيام الشرعي الإسلامي تتجمع هذه الأحماض القادمة من الغذاء مع الأحماض الناتجة من عملية الهدم في مجمع الأحماض الأمينية في الكبد ويحدث فيها تحول داخلي واسع النطاق؛ ليتم إعادة توزيعها بعد عملية التحول الداخلي ودمجها في جزيئات أخرى, ويصنع منها كل أنواع البروتينات الخلوية وبروتينات البلازما والهرمونات وغير ذلك من المركبات الحيوية(19), وهذا يتيح لبنات جديدة للخلايا ويرفع كفاءتها الوظيفية مما يعود على الجسم البشري بالصحة والنماء والعافية.
وهذا بخلاف التجويع حيث الهدم المستمر لمكونات الخلايا وحيث الحرمان من الأحماض الأمينية الأساسية فعندما تعود بعض اللبنات القديمة لإعادة الترميم تتداعى القوى ويصير الجسم عرضة للأسقام أو الهلاك، فَنَقْصُ حمضٍ أميني أساسي واحد يدخل في تركيب بروتين خاص يجعل هذا البروتين لا يتكون. والأعجب من ذلك أن بقية الأحماض الأمينية التي يتكون منها هذا البروتين تتهدم وتدمر(20).

4- مقاومة الشيخوخة:
كشفت مجلة الطبيعة (Nature) البريطانية(21) عن دراسة علمية تفيد أن التجويع المخطط أو الجزئي -الصيام- يؤدي إلى تنشيط الجينات المسئولة عن إفراز هرمونات تساعد الخلايا في مواجهة زحف الشيخوخة على الإنسان وتزيد من حيوية ونشاط الجسم، وأكدت نتائج هذه الدراسة أن عملية التمثيل الغذائي وهضم الطعام تنتج مواد سامة تتلف الخلايا، وأن الإقلال من كمية الطعام والإكثار من الحركة لحرق الطاقة يحسن من الوضع الصحي ويوقف عملية الهدم، وبالتالي تزيد من إمكانية رفع متوسط العمر، وأوضحت الدراسة أن الصيام الجزئي عن الطعام والتجويع المخطط قد يؤدي إلى رد فعل يجعل الخلايا تقاوم الموت وتعيش فترة أطول، وأضافت الدراسة أن مفتاح الصحة يتمثل في الحد من الطعام (الجوع الجزئي أو المخطط) في نظام غذائي مدى الحياة بقدر الإمكان مما يؤثر إيجابياً ويساعد على مقاومة الشيخوخة.

الفوائد الوقائية للصيام:
1- أنه يقوي جهاز المناعة ويقي الجسم من أمراض كثيرة حيث يتحسن المؤشر الوظيفي للخلايا اللمفاوية عشرة أضعاف، كما تزداد نسبة الخلايا المسؤولة عن المناعة النوعية زيادة كبيرة، كما ترتفع نسبة بعض أنواع الأجسام المضادة لبعض الكائنات الدقيقة المسببة للأمراض في الجسم وتنشط الردود المناعية نتيجة لزيادة البروتين الدهني منخفض الكثافة(22).
2- أنه يقي من مرض السمنة وأخطارها, حيث إن السمنة تنتج عن خلل في تمثيل الغذاء أو سبب ضغوط بيئية أو نفسية أو اجتماعية وقد تتضافر هذه كلها في حدوث السمنة، فإنه يمكن الوقاية منها بالصوم من خلال الاستقرار النفسي والعقلي نتيجة للجو الإيماني الذي يحيط بالصائم, إضافة إلى تأثير الصيام في استهلاك الدهون المختزنة, ووقاية الجسم من أخطار أمراض السمنة كالأمراض القلبية الوعائية مثل قصور القلب والسكتة القلبية وانسداد الشرايين المحيطة بالقلب كمرض تصلب الشرايين(23).
3- أنه يقي الجسم من تكون حصيات الكلى؛ إذ يرفع معدل الصوديوم في الدم فيمنع تبلور أملاح الكالسيوم, كما أن زيادة مادة البولينا في البول تساعد على عدم ترسب أملاح البول التي تكون حصيات المسالك البولية(24).
4- أنه يقي من أخطار السموم المتراكمة في خلايا الجسم وأنسجته.
5- أنه يخفف ويهدئ ثورة الغريزة الجنسية، وبذلك يقي الجسم من الاضطرابات النفسية والجسمية؛ لذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب الذين لا يستطيعون الزواج بالصوم فقال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه لـه وجاء»(25)، ومعنى "وجاء": وقاية.
6- أن الصيام يعتبر وقاية من الأمراض العقلية والنفسية، فقد ثبت تأثيره على مرضى انفصام الشخصية, وقد أشار إلى ذلك الدكتور يوري نيسكولايوف من المعهد النفسي بموسكو بقولـه: "إلا أن الأمراض العقلية يمكن السيطرة عليها بمفعول الصيام والحمية", وقد تبين عند مراجعة ألف مريض عقلي التزموا الصيام أن التحسن كان ملحوظاً لدى 65% منهم، وقد وقع فحص لنصف هؤلاء المرضى بعد 6 سنوات, واتضح أنهم لا يزالون يتمتعون بصحة جيدة, كما أن (آلان كوت) قد ألزم 35 مريضاً ومريضة ببرنامج صيام وتخلص 24منهم من أمراضهم.(26).

الإعجاز العلمي في الإفطار على التمر:
في نهاية يوم الصوم يهبط مستوى تركيز الجلوكوز والأنسولين من دم الوريد البابي الكبدي وهذا يقلل بدوره نفاذ الجلوكوز وأخذه بواسطة خلايا الكبد والأنسجة الطرفية كخلايا العضلات وخلايا الأعصاب(27), ويكون قد تحلل كل المخزون من الجيلوجين الكبدي أو كاد، وتعتمد الأنسجة حينئذ في الحصول على الطاقة من أكسدة الأحماض الدهنية وهذه العملية لها أضرار وهي تكّون الأجسام الكيتونية الضارة.

لذلك فإمداد الجسم السريع بالجلوكوز في هذا الوقت لـه فوائد جمة منها:
1- رفع تركيز السكر بسرعة في دم الوريد البابي الكبدي فور امتصاصه.
2- توقف تأكسد الأحماض الدهنية فيقطع الطريق على تكون الأجسام الكيتونية الضارة.
3- زوال أعراض الهمود والضعف العام والاضطراب البسيط في الجهاز العصبي.
4- توقف هدم الأحماض الأمينية وبالتالي يحفظ بروتين الجسم(28).
ويعتبر التمر من أغنى الأغذية بسكر الجلوكوز، وبالتالي فهو أفضل غذاء يقدم للجسم حينئذ، إذ يحتوي على نسبة عالية من السكريات تترواح بين 75-87%, يشكل الجلوكوز55% منها، والفركتوز 45%، علاوة على نسبة من البروتينات والدهون وبعض الفيتامينات وبعض المعادن، ويتحول الفركتوز إلى جلوكوز بسرعة فائقة ويمتص مباشرة من الجهاز الهضمي ليروي ظمأ الجسم من الطاقة.(29)
كما أن جميع الفيتامينات التي يحتوي عليها التمر لها دور فعال في عمليات التمثيل الغذائي ولها تأثير مهدئ للأعصاب.
وللمعادن دور أساسي في تكوين الإنزيمات الهامة في عمليات الجسم الحيوية, كما أن لها دوراً هاماً في انقباض وانبساط العضلات والتعادل الحمضي القاعدي في الجسم؛ فيزول بذلك أي توتر عضلي أو عصبي ويعم النشاط والهدوء والسكينة سائر البدن.(30)
ولو بدأ الإنسان فطره بتناول المواد البروتينية أو الدهنية فهي لا تمتص إلا بعد فترة طويلة من الهضم ولا تؤدي الغرض في إسعاف الجسم بحاجته السريعة من الطاقة وتؤدى إلى هبوط سكر الدم.(31)
لهذه الأسباب يمكن أن ندرك الحكمة من أمر النبي وفعله صلى الله عليه وسلم بالإفطار على التمر، فعن سلمان بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور»(32), وعن أنس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات فإن لم تكن حسا حسوات من ماء»(33).


· الإعجاز في نهي الصائم عن الغضب:
يكون الصائم أكثر استجابة لدواعي الغضب في آخر النهار عندما ينقص السكر في الجسم مما يجعله معرضاً لبعض الأضرار؛ لذلك أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على الصائمين أن يمسكوا عن دواعي الغضب والخصومات المفضية إلى تلك الأضرار, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم»(34).
فقد كشف العلم اليوم أن الصائم إذا اعتراه غضب وانفعل وتوتر ازداد إفراز هرمون الأدرينالين في دمه زيادة كبيرة تصل من 20 إلى 30 ضعفاً عن معدله العادي أثناء الغضب الشديد أو العراك, فإن حدث هذا في أول الصوم أثناء فترة الهضم (الامتصاص) اضطرب هضم الغذاء وامتصاصه زيادة على الاضطراب العام في جميع أجهزة الجسم؛ ذلك لأن الأدرينالين يعمل على ارتخاء العضلات الملساء في الجهاز الهضمي ويقلل من تقلصات المرارة ويعمل على تضييق الأوعية الدموية الطرفية وتوسيع الأوعية التاجية كما يرفع الضغط الدموي الشرياني ويزيد كمية الدم الواردة إلى القلب وعددَ دقاته(35), وإن حدث الغضب والشجار في منتصف النهار أو آخره أثناء فترة ما بعد الامتصاص تحلل ما تبقى من مخزون الجليكوجين في الكبد وتحلل بروتين الجسم إلى أحماض أمينية وتأكسد المزيد من الأحماض الدهنية, كل ذلك ليرتفع مستوى الجلوكوز في الدم فيحترق ليمد الجسم بالطاقة اللازمة في الشجار والعراك, وبهذا تُستهلك الطاقة بغير ترشيد ويُفقد بعضُ الجلوكوز مع البول إن زاد عن المعدل الطبيعي, وبالتالي يفقد الجسم كميةً من الطاقة الحيوية الهامة في غير فائدة تعود عليه, ويضطر إلى استهلاك الطاقة من الأحماض الدهنية التي يؤكسد المزيد منها وقد تؤدي إلى تولد الأجسام الكيتونية الضارة في الدم(36).
كما أن الازدياد الشديد للأدرينالين في الدم يعمل على الآتي:
1- خروج كميات كبيرة من الماء من الجسم بواسطة الإدرار البولي.
2- ارتفاع معدل الاستقلاب الأساسي عند الغضب والتوتر؛ نتيجة لارتفاع الادرينالين والشد العضلي(37).
- يؤدى لنوبات قلبية أو موت الفجأة عند بعض الأشخاص المهيئين لذلك؛ نتيجة لارتفاع ضغط الدم وارتفاع حاجة عضلة القلب للأكسجين من جراء ازدياد سرعته.
4- وقد يسبب النوبات الدماغية لدى المصابين بارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين.
5- يزيد من تكون الكليسترول من الدهن البروتيني منخفض الكثافة وثبتت علاقته بمرض تصلب الشرايين(38).
لهذا ولغيره مما عرف ومما لم يعرف بعد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصائم بالسكينة وعدم الصخب والإنفعال أو الدخول في عراك مع الآخرين.(39)
إن ما كشفه العلم الحديث من أضرار الغضب الصحية يبين لنا بعضَ الحكم في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم وتشديده على اجتناب الغضب وأسباب الشجار أثناء الصوم وتعليله النهي الشديد عن الغضب بحالة الصيام.


· أوجه الإعجاز العلمي:

لم يعرف الأطباء فوائد الصوم الطبية إلا في القرن العشرين بعد أن تقدمت البحوث العلمية الغذائية وتوفرت الأجهزة الدقيقة التي كشفت الكثير من أسرار الجسم البشري مشتملة على أسرار وتفاعلات الغذاء في الجسم، وبالرغم من هذه الاكتشافات العملية فإن الأطباء اقترحوا كيفية للصيام تعرض الصائم للخطر بامتناعه عن الطعام لأسابيع وشهور مع عدم امتناعه عن الماء والسوائل، الأمر الذي يعرض صحة الإنسان للخطر أو الموت؛ نتيجة لاختلال تركيب سوائل الجسم بما فيها الدم، لذلك لا يتحقق هذا الصوم الطبي إلا تحت إشراف فريق من الأطباء، بينما نجد الصيام الشرعي لشهر كامل، والذي يمتنع فيه الصائم عن كل من الطعام والشراب والجماع أثناء نهار رمضان يحقق الفوائد الطبية المتوخاة، والوقايةَ من عدد من الأمراض بيسر وسهولة لا تعرض حياة الإنسان للخطر ولا يحتاج الصائم معها إلى فريق من الأطباء وعدد من الأجهزة الدقيقة, وهذه الكيفية الشرعية للصيام ميسورة لأهل الحضر والبادية ولكل أبناء الجنس البشري في كل أجزاء الأرض، فمن خص محمداً صلى الله عليه وسلم النبي الأمي منذ 1400 عام بهذا العلم من دون سائر البشر إلا العليم الحكيم الرحمن الرحيم الذي أرسله الله رحمة للعالمين كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
ومن تتبع سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في الصيام يجدها تحقق حِكَماً طبية دقيقة لا يعرفها إلا أهل الاختصاص والدراسات العلمية الحديثة, فهو صلى الله عليه وسلم يأمر بتقديم الفطور وتأخير السحور حتى تنحصر مدة الصيام التي لا يصحبها ضرر على الصائم، كما ينهى عن الوصال الذي قد يجر الضرر على الصائمين.
وقد ندبنا صلى الله عليه وسلم على أن نُفِطر على تمرات؛ لأن السكر الموجود في الرطب والتمرات سهل الامتصاص فيمتص في خمس دقائق ويمكّن الجسم من إعداد الجهاز الهضمي لاستقبال الطعام والتعامل معه براحة وكفاءة, وكما تسهّل تدفئة السيارات سير السيارة وانطلاقها فإن الإفطار على الرطبات أو التمرات يسهل انطلاق الجهاز الهضمي لهضم الطعام.
ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الاستجابة لدواعي الخصام أو المشاجرة حتى يُحَفظ الجسم من كثير من الأضرار والمخاطر التي سبق ذكرها. ويفيد الصوم كبار السن ويجدد نسبة من خلايا الأنسجة قد تصل إلى 5-6%, ويقاوم الصوم زحف الشيخوخة كما أثبتت ذلك مجلة الطبيعة البريطانية (نتشر) عام 2000م بما يؤكد أن الخير للمسنين هو في الصيام على عكس ما يتوهمه عامة البشر, وقد قال تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لـه وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 184].
فمن علّم محمداً صلى الله عليه وسلم عبر القرون المتطاولة من دون سائر الناس كل هذه الحقائق والأسرار؟ إلا العليم الحكيم الرحمن الرحيم القائل: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾

حول الموقع

سام برس