بقلم/ آدم الحسامي
معالي الأدبية الباحثة أروى عبده عثمان هكذا دون أن أهنئك على هذه المسؤولية التي يعتبرها محنة كبيرة كل من يخشى على تاريخه من غوايات السلطة.

أستهل عهد وزارتك برسالة تحاول محاكاة مضامين الرسائل التي كنت توجهينها للمسؤولين قبل توليك هذا المنصب. وقبل أن أضع بين يديك السيناريوهات الثلاثة سنتذكر سوياً بعضاً من قصة الرجل الذي لم تجف دموعنا بعد على رحيله بتلك الجريمة الغادرة.. قصة تولي الشهيد محمد عبدالملك المتوكل لوزارة التموين في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي.

كان ذلك عام 1976 في جلسة جمعت الشهيدين استمرت قرابة الساعتين من النقاش المحموم عن مختلف قضايا البلد وإدارته. كان المتوكل شاباً متحمساً يجادل بحدة الرئيس الذي حقق إنجازات فارقة في السنتين المنصرمتين من حكمه لكن الشاب المتطلع ينتقد ويشير إلى أوجه قصور يقيسها على الأنموذج المثالي للمخيلة الفتية.

وبعد أن شعر الحمدي أن الجلسة طالت والحوار لا يميل إلى الاتفاق ضرب برقة على الطاولة بقصد إنهاء النقاش قائلاً بما معناه : يا محمد، الذي يده في الماء ليست كالذي يده في النار.. مذكراً المتوكل بكمية العوائق المتراكمة من وجهة نظر متحمل المسؤولية..بالتأكيد مبررات الحمدي لم تكن كمبررات المسؤولين العاجزين المتواكلين فحكومته كانت تحقق تقدماً ملحوظاً إلا أنها لم تشبع طموح ذلك الشاب الآتي من خلفية أكاديمية له تصورات للعمل الرسمي ليس في حسبانها الممكن الذي تفرضه المرحلة وظروفها.

انتهت الجلسة ولم تنته علاقة رجليّ الدولة فبعد أسبوع أصدر الرئيس الحمدي قرار تحويل هيئة التموين إلى وزارة يرأسها المتوكل وكأننا بالرئيس المنقود يقول للشاب الناقد الذي كان يجادله قبل أسبوع: أرني ماذا ستعمل أو حقق تصوراتك بنفسك.كانت تجربة المتوكل ناجحة مقارنة بالمعضلة التي كانت تواجهها آنذاك قضية التموين خصوصاً توفير القمح ولسنا بصدد تفصيل تلك المشكلة الاقتصادية.

ما أقصده أن وزارة المتوكل حققت الحد الممكن من النجاح ولم تحقق النموذج الذي كان يحلم به. هل أدركت يا سيدة المشاقر أوجه الشبه بين قصتيكما أنت والشهيد المتوكل؟! أدرك الفوارق الكثيرة بين السياقين فلا من ولوك منصبك بكفاءة ونزاهة الحمدي ولا العوائق التي ستواجهك أيضاً كالعوائق التي كانت ولا أدري هل ستساعدك هذه القوى أم ستكون من ضمن العوائق حينها سيكون هدفهم من توليتك تلويث سيرتك.. نعود إلى وجه الشبه!.. أن من كنت تنتقدين عجزهم وتخاذلهم لسان حالهم يشابه لسان حال الحمدي إزاء المتوكل مع فارق النوايا الخيرة واللغة الراقية من قبل الحمدي؛ كأني بهم يقولون: ورينا يا بنت عثمان ايش بتسوي. صنجتينا بكتاباتك وانتقاداتك!!. دعك من الفاسدين منهم لأنهم لن يجدوا عندك ما يردون به على التهم التي طالتهم وتطالهم بينما العاجزون أوالذين لم يكونوا أكفاء في مناصبهم سيجدون بالتأكيد اختلالات كثيرة لن تكوني قد عالجتها بعد وأهداف كثيرة أعربت عنها في كتاباتك لن تحققيها بسهولة..سيوجهون السياط ذاتها التي وجهتها لهم متناسين كمية الأعذار التي كانوا يسقونها للدفاع عن فشلهم وقد نشاركهم نحن الذين نتمنى نجاحك إن تمترستِ وراء تلك الأعذار نفسها ولم تحققي الحد الأدنى والممكن من تلك الأهداف التي نتشارك وإياك حلم تحقيقها.. فما أنت فاعلة؟!

أول السيناريوهات أجملها.. أن تجدي طريقة عمل إدارية تتحايل على المعوقات التي واجهت كل مسؤول مخلص سبقك إلى العمل في وزارة الثقافة كل مسؤول أعوزه الخيال والبدائل الإبداعية غير التقليدية إزاء معضلات المشهد الثقافي في اليمن، أن ترسمي خارطة توفّق بين المثال الذي ترتجيه والعوائق المعروفة وغير المعروفة في كواليس الوزارة ومؤسساتها لتستطيعي حينئذ تنفيذ تلك الخارطة بآلية الممكن. تستطيعين أن تحققي الحد الأدنى من أهدافك ولا عذر لك إن لم تفعلي ذلك فنحن المقدرين معضلات المؤسسات الثقافية في اليمن لن ننتظر منك صنع المستحيل بقدر ما ننتظر تحقيق الحد الأدنى من الممكن:

لا ننتظر أن تُنشأ دار سينما ومسرح صغير في كل مديرية بجانب مبناها الإداري وإنما الحد الأدنى بتفعيل دور السينما المغلقة والمسارح المطمورة.. وفي عدن على سبيل المثال صورة جلية لذلك..

لا ننتظر أن تُشكل الفرق الفنية للرقص والغناء والمسرح وإنما الحد الأدنى بدعم الفرق الموجودة وإخراجها من زوايا الإحباط والتجاهل وإتاحة الأجواء والإمكانيات والأدوات والترويج الإعلامي لها..

لا ننتظر ابتداع أنشطة ثقافية جديدة وإنما الحد الأدنى بمراقبة برامج الأنشطة المقرة التي يبدد مسؤولو المؤسسات الثقافية ميزانياتها وإخراجها بأسوأ صورها إن لم نقل إلغائها في الغالب..

لا ننتظر مجلات وصحف ثقافية جديدة وإنما الحد الأدنى بإعادة المتوقف منها وإتاحة مسؤولية إدارتها للأكفاء من الكوادر المعطلة كما ننتظر تفعيل حركة النشر..

لا ننتظر أن تحاربي الشلل المسيطرة على المؤسسات الثقافية والسفريات والمهرجانات لا ننتظر إزاحتها وإنما الحد الأدنى بتوسيع دائرة المسؤولية والمشاركة من خارج تلك الشلل التي لا تعرف الخجل إزاء فشلها ومن ثم فتح مجال التنافس ليثبت من له كفاءة كفاءته..

لا ننتظر منك إقامة معارض الكتب الدائمة وإنما الحد الأدنى بعودة مشروع كتاب في جريدة وتوفير مكتبة في كل مدينة تمولها وزارة الثقافة كذلك توفير الدوريات العربية التي لا تباع في مكتبات وأكشاك أي محافظة سوى صنعاء..

لا ننتظر منك تغيير المنظومة التعليمية إزاء الثقافة والفنون وإنما الحد الأدنى بتفعيل القرارت المعطلة في وزارتي التربية والتعليم و التعليم العالي، وهي كثيرة عن اطلعت على واقع التربية الفنية والأنشطة الثقافية في المدارسة كذلك أقسام وكليات الفنون في الجامعات ومعاهد الفنون الجميلة..

لا ننتظر منح تفرغ للأدباء والفنانين ومساكن ومستشفى خاص بوزارة الثقافة..إلخ وإنما إقامة فعاليات جماهيرية في أوقات منتظمة تصبح تقاليد راسخة كذلك الفعاليات الفنية إن لم تقم على الأقل فعالية واحدة في المدن الكبرى تكون مناسبة دائمة فإن عجلة الحركة الفنية لن تتحرك.أما المستشفى فالحد الأدنى أن تستلهمي من فكرة الدكتور الفنان نزار غانم وعيادة المبدعين التي أنشأها أو إنشاء صندوق للمنح العلاجية. فمن العار أن يحدث في عهدك وفاة أديب لأنه لم يجد ثمن علاجه! ...

لا ننتظر منك حملات عنترية ونزلات استعراضية للمؤسسات الثقافية وإنما الحد الأدنى بالشفافية في المراقبة والمحاسبة الشهرية أو السنوية وما المكتب التنفيذي لتعز عاصمة الثقافة إلا أبلغ مثال لغموض العمل الثقافي في ظل ميزانية ضخمة أعلن عنها وإلى الآن لم نر أين ذهبت الميزانية تلك!

كما ننتظر قضيتك التاريخية! مشروع توثيق مورثنا الأدبي والفني خصوصاً الموروث الشعبي ويا لابتسامة الأقدار أن تتوقفي عن استجداء المساعدات..نتمنى ألا تسخر الأقدار ونقوم نحن باستجدائك لإكمال مشروعك!

ننتظر الكثير والكثير من الحد الأدنى لمنجزات ستحدث الفارق بين عهدك وعهد من سبقوك ببؤسهم وإن لم نلمس الفارق الإيجابي بسبب معوقات اللوبيهات وضعف الميزانيات وبقية الأعذار التي تحجج بها السابقون فسيكون أمامك سيناريوهين أتوقع منك اللجوء إلى الأخير لا هذا الذي سبقك إليه كثير من المسؤولين النزيهين العاجزين الذين يئسوا من أي تغيير مأمول بسبب فقر خيالهم واضمحلال إبداعهم فتجلى إبداعهم في القدرة على إقناع منتقديهم بسوق الأعذار المعروفة والمتعلقة أغلبها بالميزانية! هذا كان السيناريو الثاني ولن تلجئي إليه إن شاء الله.

السيناريو الثالث إذا لم تستطيعي تحقيق الحد الأدنى من تلك الأهداف هو تقديم استقالتك ولا أظن أنك تستسهلي هذه الخطوة فإن اللجوء إليها لم يقدر عليه الكثير من الذين كانوا نزيهين قبل تولي المنصب إذ استعذبوا الامتيازات الممنوحة لكل وزير والسفريات.. كما إن إغرائية البقاء في المنصب بحد ذاتها شيطانية أسقطت كثير من الأكفاء الذين ساقهم حظهم التعس لأن يتولوا مناصب مهمة في سياق كامل من الفشل والفساد..أثق أنك في حال انسدت أمامك كل السبل ستلجئين إلى شرف الاستقالة فليس بجديد أن نخسر المنجز الثقافي المأمول لكن المفاجئ المؤلم أن نخسر مثقفة وأديبة مبدعة تاريخها يجب أن يظل متسق التألق والإبداع والنزاهة.

حول الموقع

سام برس