“راي اليوم”
وزير المالية السعودي يعترف بالازمة المالية الزاحفة الى بلاده من جراء انخفاض اسعار النفط وضخامة العجز في الميزانية العامة.. ما هي الخطوات التقشفية التي سيتم اتخاذها؟ وما هي انعكاساتها اجتماعيا؟ وهل ستتأثر الحروب في اليمن وسورية من جرائها؟


اعترف السيد ابراهيم العساف وزير المالية السعودي الاحد في حديث لمحطة “سي ان بي سي” الاقتصادية العربية ان بلاده ستخفض الانفاق العام، كما ستصدر المزيد من السندات لسد العجز القياسي في الميزانية العامة، الذي يقدر بحوالي 130 مليار دولار، وهو اعتراف يعكس الصعوبات التي ستواجهها المملكة ودول عربية نفطية اخرى في السنوات المقبلة اذا ما استمرت اسعار النفط في الانخفاض.

جميع الدول العربية، وغير العربية، التي تعتمد على عوائد صادرات النفط في وضع ميزانياتها السنوية تواجه عجوزات ضخمة في ميزانياتها، وليس السعودية وحدها، ولكن الفارق ان الاخيرة، اي السعودية، تشكل العوائد النفطية اكثر من 90 بالمئة من ناتجها المحلي.

فعلى سبيل المثال بلغ العجز في ميزانية الكويت حوالي 7 مليارات دينار، اي ما يوازي 23.2 مليار دولار، وهو عجز يسجل للمرة الاولى منذ 16 عاما، بينما وصل العجز في ميزانية الجزائر حوالي 60 مليار دولار.
وكانت ميزانية عام 2015 السعودية واحدة من اضخم الميزانيات في تاريخ المملكة، اذا لم تكن اضخمها، حيث وصل حجمها حوالي 855 مليار دولار (227 مليار دولار) وجاء العجز بسبب تقديرات لاسعار النفط في حدود 63 دولار للبرميل.
وجاء تضخم حجم هذه الميزانية الى عدة اعتبارات، ابرزها زيادة حجم الانفاق العام على مشاريع بنى تحتية، وقطاعات الخدمات العامة من صحة وتعليم، ومشاريع اسكان، ومنح البطالة، علاوة على شراء صفقات ضخمة من الاسلحة الحديثة من طائرات وانظمة دفاعية صاروخية.

ويكفي الاشارة الى ان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز انفق 30 مليار دولار كمنحه للموظفين في الدولة، كهدية لهم بمناسبة توليه العرش في كانون الثاني (يناير) الماضي، بعد وفاة شقيقه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.

وتقول الاحصاءات انه بنهاية تموز (يوليو) الماضي سحبت السعودية 82 مليار دولار من احتياطاتها المالية لسد جزء كبير من العجز، مما ادى الى انخفاض هذه الاصول الى 650 مليار، ومن المقرر ان تنخفض الى 629 مليار دولار مع نهاية هذا العام، وهناك توقعات لخبراء ماليين غربيين بأن الاحتياط المالي السعودي قد ينتهي في غضون ثلاثة اعوام.
الخيارات المتاحة، امام صانع القرار السعودي لمواجهة هذه الازمة المالية صعبة للغاية، لانه من الممكن ان تترتب عليها نتائج ربما تتطور الى اضطرابات اجتماعية.

صحيح ان السيد العساف اكد ان خفض الانفاق سيشمل القطاعات غير الضرورية، مثل مشاريع لم يتم البدء فيها، وشدد على ان مشاريع الصحة والتعليم والبنى التحتية لن تتأثر، ولكن الصحيح ايضا ان السلطات السعودية اوقفت آلاف البعثات الدراسية للطلبة في الولايات المتحدة واوروبا، وتتوارد تقارير اخبارية سعودية حول قرب صدور قرارات برفع الدعم الحكومي عن سلع وخدمات ضرورية، مثل الماء، والكهرباء، واسعار المحروقات، وهناك من يقدر الدعم للاخيرة، اي للمحروقات، في حدود 50 مليار دولار سنويا.
الدولة الريعية في السعودية، او دولة الرفاة، مثلما يطلق عليها البعض، تتآكل تدريجيا مع ارتفاع كبير في تعداد السكان يزيد عن 20 مليون سعودي، اضافة الى ثمانية ملايين عامل اجنبي، والمشكلة ان هذه الصعوبات المالية تأتي في وقت تخوض فيه السعودية حروبا باهظة التكاليف ماديا وبشريا في اليمن وسورية، وغير مباشر في ليبيا والعراق، والامر الذي يتطلب دفع عشرات المليارات من الدولارات لشراء اسلحة حديثة متطورة وذخائر لتلبية احتياجاتها، وهي حروب مرشحة ان تطول لسنوات، وربما عقود.

من المؤكد ان المملكة العربية السعودية لن تواجه الافلاس، ولكن مصدر قوة الحكم السعودي هو ضمان رفاهية الشعب السعودي، وتوفير معدلات مرتفعة من المعيشة له، وتلبية جميع احتياجاته المعيشية، وفوق كل هذا وذاك، تحقيق الامن، ويبدو ان المرحلة المقبلة التي سيسودها التقشف حتما ستلغي معظم اوجه الرفاهية، كما ان الحروب الداخلية (تصاعد خطر الارهاب)، والخارجية (حرب الاستنزاف في اليمن خاصة)، قد تحرم السلطات السعودية من اهم سلاح في يدها، طالما تباهت به، وسط محيط مضطرب تمزقه الحروب، وهو تحقيق الامن والاستقرار لمواطنيها.

اسعار النفط ستواصل الانخفاض حتما، بسبب تقلص تكاليف استخراج النفط الصخري، وقرب عودة الانتاج النفطي الايراني الى الاسواق بعد رفع الحظر الامريكي، وزيادة الاعتماد على البدائل الكهربائية، وتوليد الطاقة عبر مفاعلات نووية.

انخفاض النفط يعني المزيد من المتاعب للحكومات الخليجية والعربية الاخرى المنتجة للنفط، وخاصة الاضطرابات الاجتماعية في اوساط الشبان الذين يشكلون اكثر من 60 بالمئة من عدد السكان، ويملكون سلاح وسائل التواصل الاجتماعي الذي يعتبر اخطر من كل اسلحة الدول الاخرى.
“راي اليوم”

حول الموقع

سام برس