بقلم / ريم خليفة
أحداث وممارسات لا تعد ولا تحصى صاحبت عيد الفطر المبارك في المشهد العربي من الخليج إلى المحيط. لكن الخليج والعراق قد أخذ هذه المرة الحيز الأكبر متصدراً منصة الأخبار في ظل صمت وغياب عربي، إلا من بيانات وتصريحات تعمق الخلافات وتضرب المجتمعات بعضها ببعض وتعزّز الانقسامات والفرقة.

فمن تفجيرات «الكرادة» بالعراق، ومحاولة تفجير الحرم النبوي، وفي جدة، ومحاولة تفجير مسجد بالمنطقة الشرقية في السعودية، والكشف عن مخططات إرهابية في الكويت، وما يجري من إرهاصات في عدة بلدان وفي آن واحد، كلها تكشف أن البلاء الذي يعم المنطقة لم يعد حادثاً منفرداً، وإنما ظاهرة يستفيد منها الأنانيون وتجار القمع والطائفية والإرهاب، وكل من لا يهمه مستقبل المنطقة.

ولعل الغرابة في عدم صدور إدانات واضحة لـ»مجزرة حى الكرادة» التى هزّت العراق، واعتبرت أسوأ هجوم دموي، أوقع ٢٩٢ قتيلاً ومئات المصابين، وثم بعد ذلك تم استهداف موقع ديني آخر أدى إلى سقوط 40 قتيلاً، وأعلن تنظيم «داعش» مسئوليته عن هذه الجرائم الإرهابية، وهي استهدفت كل الناس من دون تفريق، وبهدف إثارة الفتن والتقاتل بينهم.

هذه الأحداث ليست سوى عينة مما يجري في المنطقة العربية، وهي تمثل عوارض لما يجري على الأرض العربية منذ مطلع 2011، وتقلبات الأحداث من الربيع العربي إلى الخريف الطائفي، وما يستتبع ذلك من زيادة الاحتقان داخل الدول الكبيرة والصغيرة منها. وفي ظل تجاهل حقيقي للحلول والمصالحة الوطنية واستمرار العمل بالصورة التي تزعزع أمن واستقرار الفرد داخل مجتمعه بشكل يعقد المشهد العربي وينعكس سلباً على الجميع، بدلاً من التكاتف لإنقاذ الدولة والمجتمع وانتشالها والرفق بها.

إن ممارسات التفرقة والعنصرية والقتل جميعها نابعة من فكر إقصائي وإرهابي يميّز بين الفرد والآخر، وذلك لاعتبارات كثيرة، بدءًا من الاختلاف في الرأي وصولاً إلى العرق والدين والطائفة واللون والجنس والمنطقة. ولقد انعكس هذا الوضع لأول مرة في شهر رمضان هذا العام، ولا سيما في الدراما الخليجية في مسلسل «ساق البامبو» مثلاً، والذي تكلمت حلقاته عن ممارسات عنصرية في مجتمعنا الخليجي، تتخذ من ملامح الوجه (مثل شخصية الكويتي عيسى الطاروف الذي حمل ملامح والدته الفلبينية ولكن كان يحمل جوازاً كويتياً ومع ذلك لم يعترف به المجتمع)، إلى احتقار الأعراق الأخرى، كالعمالة الأجنبية واستعبادها، وصولاً إلى فئة «البدون» التي تحمل ملامح محلية ولكنها محرومة من اكتساب الجنسية.

المشكلة تتعمق أكثر في عدة بلدان، ولاسيما مع ازدياد حالات إسقاط الجنسية، وهو أمر مخالف لتوجه القانون الدولي الذي يدعو إلى القضاء على فئة «بدون جنسية»، إذ أن ما نشهده أمام أعيننا هو زيادة عددهم، والتعامل مع الأمر كما تتعامل بلدان أخرى مع إصدار مخالفات مرورية.

إن عدم الاعتراف بالمشكلة، بل والإمعان في هذه الممارسات لا يمكن أن يحل أي أزمة أو مشكلة، بل على العكس. وقد يبدو هذا الشيء في هذا الاتجاه سهلاً في الوقت الحالي ولكننا أيضاً نعلم أن ما جرى في عقود سابقة من ممارسات، كتشجيع الذهاب إلى أفغانستان، أصبحنا نعاني منه وتحوّلت عدة بلدان إلى أفغانستان بصورة أشد.

إن القمع يؤدي إلى الإرهاب، والإرهاب يؤدي إلى القمع، وهذه الحلقة المفرغة من المعاني الإنسانية تغذّي بعضها بعضاً، وهي تنتج عن فراغ في مجتمعاتنا تسبّبت في سلسلة طويلة من الممارسات التي لا تعترف بمنظومة حقوق الإنسان التي يسير عليها العالم، وتنتهك حقوق الفرد بصورة تجعل الإنسان يبحث عن مخرج، ولربما يتم جذب بعض الشباب لحركات واتجاهات إرهابية ودموية تأتي على الأخضر واليابس.

إن مكافحة الإرهاب لا تتم عبر إصدار مزيدٍ من القوانين القمعية، وإنما تتطلب الاعتراف بأسبابه وجذوره، والمصارحة بشأن ذلك، وإفساح المجال للتعبير عن الرأي، لكي يمكن استخراج الحلول العملية وتداولها مجتمعياً وثقافياً.
كاتبة وإعلامية بحرينية
Reemkhalifa17@gmail.com
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس