رأي اليوم
قلق ايراني من المشاركة السعودية في مؤتمر المعارضة في باريس يطفو على السطح بقوة.. هل بدأت القيادة السعودية تتبنى نهج صدام والقذافي الذي عارضته دائما؟ وهل سيعطي كسرها للمحرمات ثماره؟

بدأت السياسة السعودية الجديدة التي تخطط لتقويض ايران من الداخل، وهز استقرارها “بتثوير” الاقليات العرقية والطائفية، تثير قلق القيادة الايرانية، ولو بشكل اولي، وينعكس هذا في استدعاء وزارة الخارجية الايرانية في طهران للمشرف على المصالح المصرية، وابلاغه احتجاجا قويا على مشاركة نواب برلمانيين مصريين في مؤتمر منظمة مجاهدي خلق الاخير الذي انعقد الاسبوع الماضي في باريس، واعتبار هذه المشاركة تدخلا في الشؤون الداخلية الايرانية، ودعم سياسي لهذه المنظمة “الارهابية”، حسب توصيف وكالة “ارنا” الايرانية الرسمية.

مشاركة نواب برلمانيين مصريين في هذا المؤتمر، وربما للمرة الاولى، وممثلين عن حكومات عربية واسلامية اخرى بينها السلطة الفلسطينية في رام الله، ومباركة ودعم دولة الامارات الذي عبر عنه الدكتور انور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في اشادته بالامير تركي الفيصل الذي هتف بإسقاط النظام، وكان على رأس المشاركين، هذه المشاركات جاءت في اعتقادنا، بحشد وتشجيع سعوديين، وتصب في مصلحة التحليلات التي تقول ان القيادة السعودية بدأت في الانتقال الى سياسة المواجهة المباشرة مع ايران، والانتقال عن العمل السري، الى العلني لزعزعة استقرارها وامنها، وتثوير الاقليات العرقية والطائفية فيها، مثل البلوش السنة في الشرق، وعرب الاهواز (معظمهم شيعة) في الغرب، والاكراد في الشمال، الى جانب دعم المعارضات الايرانية وعلى رأسها منظمة مجاهدي خلق، ولذلك علينا ان نتوقع تكرار سيناريو دعم السعودية للمعارضة المسلحة في سورية، جزئيا او كليا، في ايران، فهذا الحضور السعودي اللافت في مؤتمر المعارضة الايرانية في باريس يريد ايصال رسالة قوية جدا الى ايران، تؤكد هذا التوجه الجديد في الشؤون الداخلية الايرانية كرد على الاتهامات السعودية لايران بالتدخل في شؤونها الداخلية.

القيادة السعودية، وباختصار شديد، تنتقل الى مرحلة جديدة طابعها الاستشراس والاندفاع باتجاه الحرب، والتلويح بها ضد ايران، كاسرة بذلك كل ارثها السياسي المعمول به على مدى الخمسين عاما الماضية، اي الجلوس في المقاعد الخلفية، وخوض الحروب بالنيابة، وعبر ادوات اقليمية او محلية، وتحت اغطية متعددة، بعضها اسلامي وبعضه الآخر يتعلق بالديمقراطية وحقوق الانسان مثلما هو حادث في سورية، او الحفاظ على الشرعية الحاكمة في اليمن.

ومن المفارقة ان هذه السياسات السعودية الجديدة باتت تكرارا، وربما الاقرب لسياسات طالما عارضتها واتهمت اصحابها بالتهور والاندفاع، ونحن نشير هنا الى دول غير ملكية او “ثورية” مثل العراق وليبيا وسورية والجزائر، بل والنظام الايراني نفسه، الذي ترسخ بعد ثورة الامام الخميني التي اطاحت بنظام الشاه.

لا نعرف من هي الشخصية التي تشرف على وضع هذه السياسات السعودية الجديدة المفاجئة، ومن هم المستشارين الذين يقدمون لها النصائح والاستشارات، ولكن ما يمكن قوله، ويا للمفارقة، ان هذه السياسة تتطابق مع نهج الزعيمين العراقي صدام حسين، والليبي معمر القذافي، اللذين طالما اتهمتهما المؤسسة السعودية الحاكمة بالاندفاع والتهور، وعملت بطريقة وباخرى على تدميرهما، بشكل مباشر او غير مباشر.. الاول انتهى مشنوقا على مقصلة حلفاء امريكا، وبأمر منها، وهي الحليف الاول للسعودية، والثاني سحلا في شوارع سرت بتدخل من الحليف الامريكي نفسه ودعم سعودي.

الرئيس صدام حارب ايران بدعم سعودي، واجتاح الكويت بضوء اخضر امريكي، والعقيد القذافي تدخل عسكريا في تشاد، ودعم العقيد جون قرنق في السودان، والجيش الجمهوري الايرلندي، وجماعات عربية وعالمثالثية مسلحة في افريقيا وآسيا (ثوار مسلمين في الفلبين) وامريكا اللاتينية.
انه تحول سعودي مفاجيء، بدأ بدعم المعارضة السورية لاسقاط نظام الاسد قبل خمس سنوات، وتطور الى “عاصفة الحزم” في اليمن، وهناك مؤشرات قوية بأن تجربة دعم المفاوضات عسكريا في سورية قد تنتقل الى العمق الايراني ايضا.

انه تحول يكسر كل “المحرمات” السعودية السابقة، ويشكل انتقالا من سياسة الحروب بالنيابة، والقيادة من المقاعد الخلفية، الى سياسة الجلوس خلف عجلة القيادة، وحشد الآخرين في المقاعد الخلفية.. هل سيحقق هذا التحول الجديد اغراضه؟ نترك الاجابة للمستقبل.

دعم السعودية لنظام الرئيس صدام حسين وتوريطه في الحرب ضد ايران انتهى بتجويعه بعد اداء مهمته، وتجيشها للمجاهدين الافغان ودعمهم، بتحريض امريكي لاسقاط النظام الشيوعي وهزيمة الجيش السوفييتي انتقاما من هزيمة امريكا في فيتنام، ادى الى ظهور تنظيم “القاعدة” والاسلام الجهادي، وتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، ومن ثم غزو افغانستان والعراق، ترى ما الذي سيترتب على هذا التحول السعودي الجديد، وتبعاته في المنطقة لاحقا.
نقلاً عن “راي اليوم”

حول الموقع

سام برس