بقلم / عبدالكريم المدي
من الملاحظ ان الإخوة في السعودية الذين يوزنون غالباً بين الأشياء بميزان الغلبة والمال والقلب والعاطفة، قد فهموا الرسائل والمطالب الملحة لليمنيين والقوى التي تقف في وجه العدوان، فهماً خاطئاً، مرده أن تحالف (صالح – الحوثي ) صار ضعيفاً وأقرب للإستسلام

منه للبحث عن السلام ،غير أن الكثيرهنا يرون الإمورعكس ما يظن السعوديون الذين من حقهم أن يمنوا النفس بما يشاؤن، لكن لن يستطيعوا تسمية ما يجري وتكريسه في الواقع على أنه ضعف عسكري ومعنوي ،وإنما ضعف إنساني نبيل وشجاع صادر عن موقف أخلاقي ،وطني يُعبّر بصراحة عن حضارة شعب عريق يُؤمن بقيم السلام والتسامح كمبدأ ثابت وأولوية راسخة من أولويات وضرورات الحياة والتعاييش .

يؤسفنا القول إن كل ما تقوم به المملكة وحلفاؤها في اليمن يُثبت أن هوءلاء غير مستعدين لتغير سياسة ومنهج الإستحواذ والإذلال والتعالي الذي اتبعوه طوال خمسة عقود ويزيد مع اليمن من خلال تعامل التابع بالمتبوع ، المركز بالفرع ، القوي بالضعيف ،وبدلاً من أن يقوموا بالتخفيف من هذا التراكم ومعالجة التشوه الحاصل في العلاقات الثنائية، ضاعفوا من سياسات الاستهتار، وليس ذلك فحسب ، بل قاموا بقتل اليمنيين وحصارهم،غير مدركين أن السواد الأعظم من المجتمع قد سئموا من هذه الممارسات الاستكبارية وبدأوا يرفضونها
تماماً من خلال رفضهم لإتجاهين.

الإتجاه الأول: رفض حلفاء وأيدي الرياض في بلادهم ومعها كل مصطلحات ومشاعر التعظيم والتقديس المصطنعة لها التي اتت وتأتي دوما على حساب الحق والتاريخ والدولة والسيادة والهوية اليمنية .
أما الإتجاه الثاني : فقد تمثّل بمعارضة مقترنة بمقاومة السلوك والتدخل السعودي ومعه كل ما يتعلق بكبرياء وغرور ذلك النظام ، وقد زاد من وتيرة وشعبية هذا الرفض العدوان والحصار المفروض على اليمن منذ (26مارس2015).

نعود لقضيةالسلام ، وفي هذه النقطة تحديدا ، يستطيع الطفل اليمني في صنعاء وحجة وتعز ومأرب أن يقول لك : السعودية لا تُريد سلاما ، وإنما تريد كسر إرادة شعب وفتح صنعاء عسكرياً رغم خسائرها المتتالية لمعظم المواقع ،وسيضرب لك على ذلك بعشرات الأدلة العملية على صدق ما يقوله، أبسطها التحشيد لمأرب عبر الوديعة منذُ (18إبريل ) وحتى اليوم اضافة لإشعال مختلف الجبهات،وما تقوم به ساعة كتابة هذا المقال من محاولات مستميتة ومتتالية في حدود منطقة نهم مع مأرب والجوف وغيرها لا يحتاج إلى أي توضيح..

في الواقع لا ندري إن النظام السعودي يُدرك أن ما يقوم به من أنشطة وما يتبناه من حروب مباشرة وبالوكالة إنما يحشد الطائفية والبؤسوالموت والدمار لنفسه وللمنطقة برمتها، ولا يقدم أي مبادرات وجهود محترمة للحلول السياسية، سواء في سوريا أواليمن أو العراق ، بقدرما يُدير ويشعل الصراعات ويستعرض العضلات ، ظنا منه أنه يسد الثغرات ويعالج مشاعر النقص الذاتية التي تُعذّبه وتجعله يتوهم إن النظام الإيراني قد غدا أقوى وأمكن منه، الأمر الذي يستوجب مواجهته وهزيمته في اليمن.

إن تنميق مفردات السلام ومحاولات تفكيك التحالف (الصالحي – الحوثي )غير مجدي ولن، لم يفيد السعودية بشيء ولم يفدها – أيضا –تغنيها بمنجزات وهبات وكرم مراكز الإغاثة والأعمال الإنسانيةالتي لم تعد تنطلي على الآخرين،والشبيهة بذلك الشخص الذي يتوهم مقدرته إقناعك إن الطريق إلى الجحيم يجب أن يكون مبلطاً بالنوايا الطيبة والمقاصد الحسنة التي تُبرر قتل الإنسان وتدميرالبلدان وكل مظاهر الحياة والعمران .

الصراع السعودي / الإيراني الذي يجري بالوكالة في أكثر من قُطر عربي يجب أن يوقفه العالم والقوى الدولية الفاعلة، مالم فسوف يجد الجميع أنفسهم عاجزين عن لجمه ولن يكون لأي تحرك متأخر معنى ،على إعتبار أن اتخاذ القرارات الصحيحة في غير موعدها لا كعدمها .

أخيراً :
إحتمال أرجوأن لا يكون صحيحا، توقعوا ردة فعل إيرانية على مؤتمر المعارضة الذي عقد مؤخرا في العاصمة الفرنسية باريس
وبدعم شبه واضح من السعودية ، ورغم إن طهران لم تقدم لخصوم السعودية في اليمن أي شيء طوال السنوات الماضية،لكن ربماهذه

المرة ستجد نفسها مدفوعة لإتخاذ رد موازي وملموس ، من شأنه أن يزيد من إشعال حرائق المنطقة والحرائق النفسية السعودية، ووفقا

للمعطيات وقراءة ما وراء السطور ، نعتقد أنه لن يبتعد كثيراً عن الساحة اليمنية، وليس بالضرورة أن يكون دعما عسكريا أوماليا، فالأمر

المعلوم هو أن الإيرانيين أكثر ذكاء،ويتمتعون بخبرة في هذه الجوانب ويمتلكون عدة وسائل وطرق لاستثمار مشاكل الآخرين وضعف

الخصوم سياسياً وفكرياً ودبلوماسياً.وفي كل الأحوال يظل الخاسر والمتضرر الأول هو اليمن والشعوب العربية .
أما الذي ينبغي علينا التحلي به دوما أمام كل هذه التحولات والصعاب ،هو الثقة بالنفس والتفاؤل ،خاصة وأن فجر الأمل قادم لا محالة

مهما كان ليل اليأس طويلاً وقاسيا.

*صحيفة رأي اليوم اللندنية

حول الموقع

سام برس