بقلم / عبدالكريم المدي
لسان حال أطفال ونساء محافظة الحديدة وغيرها من المحافظات اليمنية يقول : لم يعد لنا أحد ننتظر منه المساعدة لإنقاذ حياتنا منالمجاعة المميتة والأمراض الفتاكة،أما أنت حينما تسمع لهوءلاء المسحوقين،أو تنظر إلى وجوههم البائسة،سريعا ما تربط بينهم وبين ضحايا المجاعة التي ضربت بلاد الشام خلال الحرب العالمية الأولى وصورها يومها الكاتب والشاعرميخائل نعيمة متحدثا عنها بألم شديد،وكيف أنها لم تتركا للناس صحباً يناجونهم،سوى أشباح موتاهم.

سؤال يتكرر كثيرا ويُطرح بحزن :من سينقذ اليمنيين من هذا الموت والحصار والحرب والعدوان،من سيضع حدا لهذه الإنهياراتالمتلاحقة في كل مقومات الحياة،من سيطفىء هذا الجحيم الذي يأكلهم في كل مكان،من سينقذهم من الجوع الذي يفترس أجساد فلذات أكبادهم النحيلة؟

لماذا لم يرحم أحد تلك المرأة التي ظلت تقاوم الموت والظلام واليأس جوار أطفالها لعدة أيام في إحدى مديريات الحديدة، محاولة إبعادصغارها من مخالب الجوع، الذي فتك بها قبلهم، لترحل وتتركتهم يواجهون قدرهم المحتوم وحيدين، في زمن ماتت فيه الرحمة وتوحّشت الإنسانية وتساقطت القيم وصارت البشاعة والظلم هما عنوانه الأبرز وشعار نخبه وأنظمته؟

الناس هنا في مأساة كبيرة، مشتتون يهيمون على وجوههم ،بلا لقمة عيش ، بلا مستقبل، بلاأمل،من سيحميهم من الموت القادم من السماء والبر والبحر،والأمعاءالخاوية، من سينقذهم من الأوبئة التي تُشارك العالم في قتلهم؟ الخوف والموت يلمعُ أمامهم في كل إتجاه،في تفاصيل حياتهم ودروبهم وملامحهم،أطواق الحصارتخنقهم،تُذّلّهم ،تُدنس كرامتهم،المساعدات تُمنعُ من الوصول إليهم وإن وصل بعضها بعد طول إنتظار،إما ونهبت قبل أن تبلغ هدفها،أوقصفتها طائرات ( الأمل) والمبرر الدائم طبعا هو: ( محملة بصواريخ بالستية وأسلحة) .

نعتقد أنه وإلى اللحظة تجاوزت الحرب اليمنية ونتائجها نظيرتها في الصومال على كافة المستويات ،فلصومال ، على الأقل لم يُحاصرأويحظ بكل هذا الحب من قِبل أشقائه الخليجيين تحديدا ،كما هو الحال بالنسبة لليمن التي صارت يمنات، تصومل فيها المصومل وأخذعدة أشكال للصوملة .

إنه زمن الحزن والموت والقحط والحروب التي تنتشرسريعا،من دون أن يشعرالمعنيون بالمسؤلية،فهادي والمملكة السعودية يرفضون مثلا، خطة الأمم المتحدة للسلام، وبإصرار عجيب يريدون الإستمرارفي قيادة مسيرة الانتحار الوطني/ الشرعي،والتعقيدات والمبالغات تتواصل أيضا،السعوديون لا يترددون لحطة عن ممارسة الإنتهازية، بدليل إنهم حولوا القاعدة الجوية في مطار الملك عبدالعزيز في جدة إلى كعبة للمسلمين وقدس أقداسهم الوحيد،التصعيد في كل الجبهات،الغارات الجوية تقتل المدنيين دون هوادة ،ففي أقل من (24) ساعة فقط ،قتلت أكثر من 150شخصا، منهم (75) في غارة واحدة استهدفت نزلاء سجن مديرية الزيدية في الحديدة وهم يؤدون صلاة العشاء .

لا نقول إننا في اليمن نقترب من الصوملة ، بل علينا الاعتراف بشجاعة بأننا قد تجاوزناها بكثير، وفي حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه ومعها الجنون السعودي، فإن اليمنيين سيخرجون عن صمتهم ويتخلون عن مكابرتهم وستسمعونهم وهم يتمنون أن يكون حالهم كحال الصومال، وأن أزمتهم وصلت إلى مستوى الصوملة فقط ، ولم تذهب إلى ما هو أسوأ وأفظع من ذلك.

أضيف وأقول : اليمن التي كانت تحتضن بحدود (500) ألف لجىء صومالي ، صارت تصدر اللاجئين اليمنيين إلى الصومال وجيبوتي وهناك مئات العوائل التي تفترش الأرض وتلتحف السماء هناك، وفي مقديشووحدها يوجد أكثر من (160) عائلة تُقيم في حوش سفارة صنعاء التي لم يقدم المعنيون فيها لهوءلاء الضيوف الثقال حتى شربة ماء، ونلتمس لهم العذر، لأنهم أصلا، صاروا دبلوماسيين يمثلون شعبا بلادولة..

ختاما :لم يكن السيد ( ستيفن أوبراين ) وكيل الأمين العام للأمم المتحدة دقيقا في استخدام عبارة ،إن اليمنيين على بعد خطوة من المجاعة أثناء إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن ، لأن التوصيف الدقيق يقول: إن اليمن كلها غارقة في المجاعة .

ملاحظة أخيرة:

من يُراقب الوضع السياسي والأمني في هذا البلد منذ عامين تقريبا ستتوفر لديه قناعة بأن هناك تفويجا متعمدا وممنهجا للمشاكل وتفننا في إختلاق التعقيدات،وكأن مهمة الدفع بالبلد نحو الهاوية واللادولة،واجب مقدس لا يكتمل إيمان المرء إلا بالقيام به على الوجه الأمثل الذي نشاهده اليوم .
كاتب يمني
*نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس