بقلم / يونس الحكيم

لم يكن مفاجئا لاحد إبراز خبايا الدور النتن الذي كانت ومازالت تمارسه سلطات "أبو ظبع "في المنطقة والرامي إلى إعادة رسم ملامح شرق أوسط "بلير،وهو ما أكدته التصريحات النارية والمتكررة لسفيرها العتيبة في واشنطن، كأحد ثمار هذا التواصل، والتي تخطت كل أساليب الفعل ومآلات التصور، حينما قال ذات مرة بأن خلاف دول الحصار مع قطر،ليس دبلوماسيا بقدر ماهو فلسفي، مستدركا ذلك بقوله :هناك دول بما فيها السعودية تريد حكومات علمانية في الشرق الأوسط،خلال العشر السنوات القادمة.

هذا الخبر الذي لم يكن مفاجئ للبعض بالنظر الى الدور الإماراتي البغيض الذي إعتادت على ممارسته إما بالتخفي أو العلن، بقدر ماكان الموقف السعودي الرسمي والشعبي الصامت هو المفاجئ والصادم للبعض فى نظر كثيرين عبر تلك التصريحات المستفزة لمشاعر المسلميين عموما ولسعوديين على وجه الخصوص، وقد إعترتنا الدهشة لحديث العتيبة وتعمده تكرار ذكر المملكة على لسانه أكثر من مرة في حديثه،وكأننا أمام المتحدث الرسمي بإسمها، فالمملكة الذي عرف عنها خلال مراحل سابقة، وكماتعرف نفسها ؛بأنها دائما ماتقف بوجه المشاريع وكذا التوجهات التي تعارض صراحة أو ضمنا مبادئ وشرائع الدين الإسلامي الحنيف،وقد رأينا كيف وقفت بقوة ضد الكثير من الأنظمة العربية والتيارات اللبرالية في المنطقة في ستينات وسبعينات القرن الماضي،ومازالت تحمل هذا العداء إلى اليوم أو على الأقل إلى ماقبل الإطاحة ببن نايف ،والتي غالبا ماكانت أنظمة الحكم فيها تصف خصومها من القوميين واللبراليين ودعاة العلمانية بالرجعيين، وغالبا ما كانت تطال البعض منهم فتاوى تكفيرية.

إذن !فما الذي تغير ؟! ولماذا صارت المملكة تغض الطرف عن مثل هكذا ممارسات ودعوات وفي هذا التوقيت ؟! ولمصلحة من يصب هذا ؟!وخاصة أن هناك من تعمد حشرها في صلب الموضوع،
فتلك الوقائع والدلالات التي أشرنا إليها تثبت بما لا يدع مجالا للشك إتساقها مع مضاميين ما يسعى إليه "بن زايد "الرجل الطموح كما يصفه البعض، والتي فاقت طموحات وقدرات كل الحكام و الزعماء سواء الحاليين أو من رحلوا وغادروا عالمنا .

وهاهو وزير شؤن خارجيته "قرقاش "الذي مافتأ يمتدحه ويصفه بمنقذ العرب !!وقد تملكتنا الحيرة عند سماعنا كلام كهذا! في الوقت الذي صارت منطقتنا العربية مرجل نتن يغلي في طول المنطقة وعرضها، بفعل تدخل "منقذ العرب "كما يصفه قرقاش، وليس أدل من ذلك ما يجري في معظم البلدان العربية من خراب ودمار بفعل سياسته الطائشة، ولاندري كيف فاته ذكر الناصر وأدواره وتشبيه سيده به، حتى تكتمل تصوراته الساذجة حينما وصف سيده بذاك الوصف، فهل لإنه يدرك مدى التوبيخ الذي سيناله لو قرن سيده بالزعيم عبد الناصر، مع انه لايوجد ولا أدنى مجال للمقارنة بين الثرى والثريا،فهناك ثمة فروق كبيرة وشاسعة بينهما،وهو ما كان يجب على بن زايد تعلمه وفعله أو على الاقل إستحضاره قبل أن تعلو سفاسفه هامات طموحاته المتعلقة بمشاريع العمالة والإرتهان، فالناصر حينما أراد نشر أفكاره وتوجهاته الرامية في دعم الكثير من الثورات والإنتفاضات في المنطقة،لم يكن يستعيين او يتكئ على الغرب مطلقا أو على الأقل ظاهريا،وغالبا ما كان يميل إلى إختيار الشخصيات المرموقة،وكان لا يمتلك ثروة هائلة تمكنه من بلوغ أهدافه،وكان المال يعجزه،وكانت ثروته الوحيدة بنظر محبيه هي مبادئه وأفكاره، ومع ذلك لم نسمع أحدا يقول عنه ما قاله قرقاش في سيده، "منقذ العرب "ولم يكن يفكر الناصر في ان يضع نفسه سلطان للعرب أو يراوده طموح كهذا الذي يتسفه بن زايد، ويسعى من أجله لكي يكون سلطان العروبة ولكن على الطريقة العلمانية، فهذا أقصر الطرق للوصول إلى مبتغاه،
فالرجل الذي قدم نفسه للغرب عميلا من الطراز النادر،يسعى متكأ عليهم للظفر بهذه المكانة مستغلا حالة الدوار التي تمر به المنطقة،وحاسما بذلك للجدل الدائر في الأوساط السياسية حول مالذي تريده الإمارات بالظبط؟! وما الذي دفعها لتنصيب نفسها وكيلا حصريا لمطامع الغرب ومصالحة على حساب معادة كل ماهو توجه إسلامي ،والجميع يدرك إن الإمارات ماقبل 2014 لم تكن دولة إقليمية،كإيران أو السعودية، أو تركيا، حتى نقول إنها تقاتل من أجل إعادة ذلك الدور المفقود،وليست بدولة غربية حتى تجاهر بعداءها للإسلام والعروبة معا.

خلاصة ما يمكنا قوله إن محمد بن زايد الذي ينزعج من مجرد سماع كلمة دولة خلافة أو سلطان المسلمين، هاهو يسعى اليوم لأن يكون سلطان العلمانية،على غرار سلطنة الأيوبيين والمماليك والعثمانيين والفرق إن جميع من ذكرنا أبلوا بلاءا حسنا في سبيل نصرة الإسلام والدفاع عنه، بعكس "سلطان العلمانيين " الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة في سبيل هدمه ومحاربته عيانا بيانا،فهو منحدر من سلالة موغلة بالدم،منذ العهد الشخبوطي احد حكام ابو ظبي في القرن الثامن العشر والمعروف (شخبوط بن ذياب بن عيسى ال نهيان)حيث كان الاخ يقتل اخاه في سبيل الاستيلاء او البقاء في الحكم، وبالتالي لاغرابة في أن يسعى حكام تلك الإمارة الحاليين في زعزعة أمن وإستقرار المنطقة العربية برمتها ومحاولة فرض أجندات دخيلة على مجتمعاتنا العربية وتسويقها والترويج لها وبشكل علني دون الاكتراث لهوية الإمة وتضحياتها وموراثاتها التي تأبى الضيم، ولاغرابة ايضا في أن يسعى بن زايد لفرض مشروعة الملوث عبر العنف المرتكز على زعزعة المنطقة وإنهاكها من أجل خلق بيئة ملائمة لتمرير المشروع العلماني عبر إيجاد حكام علمانيين في المنطقة العربية يدينون بالولاء "للسلطان العلماني " وهوما أفصح عنه العتيبة سفيره في واشنطن "مركز القرار العالمي "،وليس أدل من ذلك السعي المتواصل وراء احتضان العديد من الوجوه والإحتفاظ بها لتكون أذرعه في المنطقة، كحفتر في ليبيا والزبيدي في جنوب اليمن واحمد علي في شماله والسبسي في تونس والسيسي في مصر ..ويبدوا انه في طريقه للوصول نحو هذا، بعد ان إستطاع التأثير في صنع القرار السعودي، وأيعز لبن سلمان الإطاحة ببن نائف،موقعا المملكة في حفرة لاتكاد تخرج منها سالمة معافاة، ولو بعد سنيين، وهو مازاد من نفوذه، في ظل صمت وعجز سعودي رهيب لم تشهده من قبل، ولم يتبقى له سوى قطر التي كان لبن زايد السبب الرئيسي وراء افتعال الازمة معها والتي يرأي فيها انها ستكون حتما الحجر العثرة في طريق إقامة السلطنة العلمانية في العالم العربي،

حول الموقع

سام برس