بقلم / خالد الجيوسي
من يُتابع التصريحات السعوديّة المُتوالية، ضد لبنان، والتعامل مع حُكومته على أساس أنها حكومة حرب، على أساس أن هذا البلد مُسيطر عليه من قبل سلاح “حزب الله”، وأن هناك دولة داخل دولة، يشعر بالارتياب، ويتلمّس تحضيرات خفيّة، لا يستطيع تحديد شكلها إن كانت عسكريّة، أم اقتصاديّة وربّما تهويليّة.

السياسيون في لبنان، ونتحدّث عن أصحاب خط المُقاومة، يستبعدون اشتعال حرب، ويُحدّدون ذلك بأسباب منطقيّة، أهمها أن إسرائيل لا تتبع السعوديّة، وأنها لو أقدمت على إشعال حرب، فإنها ترغب بالخروج منها مُنتصرة على حزب الله، وبالتالي فهي تسير حسب مصالحها، لا مصالح العربيّة السعوديّة، وإن جرى تنسيق عالٍ بينها، وقدّمت بلاد الحرمين أوراق اعتماد التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني.

لكن في المُقابل، لا يُمكن لمُتتبّع الأحداث، أن يُغفل استقالة الرئيس رفيق الحريري، والأجواء التي تبعتها، ولا يستطيع أي مُراقب، أن يضعها في إطار اعتيادي، فإفساد التوافق اللبناني من قبل السعوديّة، هدفه الأساسي إضعاف حزب الله، ولا يُعقل أن تكتفي المملكة بحجز الحريري، ومنعه من السفر، فبتأكيد وجود الحريري في الرياض، ومسرحيّة استقالته، دون خطوة قاسية تتبعها، وهي بالتأكيد خطوة ستُزلزل الوضع العام، ودعوة دول الخليج رعاياها مُغادرة لبنان، قد يُفسّر النوايا الخفيّة من مسلسل الاستقالة.

التهدئة كانت عنوان تصريحات السياسيين، وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله أمين عام الحزب، والمُستهدف تحديداً من كل هذه الهجمة السعوديّة، وبالنظر إلى ما قاله نصر الله، فهو طمأن اللبنانيين، ودعاهم إلى انتظار ما سيحدث في الجبهة الداخليّة السعوديّة، كما نفى تبعيّة إسرائيل للمملكة.
السيد نصر الله له مصداقيّة كبيرة، واعتاد خُصومه قبل مُحبّيه على اعتماد كلامه، لكن نظرية استبعاد الحرب التي قدّمها بالأسباب المنطقيّة المذكورة، تخللها بالتأكيد ذكاء سياسي، كان الهدف منه عدم الانجرار خلف التصعيد الذي تسعى له السعوديّة، وتعامله مع الحريري كرهينة سياسيّة لدى السعوديّة، وليس كخصم سياسي صاحب إرادة وقرار مُستقل، وابتعاده عن لهجة التهديد والوعيد، فنجح باعتقادنا في توحيد اللبنانيين، خلف رغبة وطنيّة ترغب باستعادة الحريري، ومعرفة مصيره أولاً، ثم الانفراد به لمعرفة حقيقة ما جرى معه، ومنع السلطات السعوديّة الرجل من السفر حتى كتابة هذه السطور، تشي بالكثير، وتزيد الغُموض.

نحن الآن أمام مشهدٍ مُختلفٍ تماماً في العربيّة السعوديّة، وما هي إلا أيام، وربّما ساعات، وسيتم تتويج الأمير محمد بن سلمان ملكاً على عرش بلاده، والسؤال الذي يطرح نفسه، بن سلمان نجح حتى الآن على الأقل في إدارة انقلاب تام على جميع الرؤوس الكبيرة في الحُكم، وهو يُمسك بالثلاثيّة الأقوى، إعلام، سياسة، اقتصاد، وبالتالي سينتهي من جبهته الداخليّة التي دعا نصر الله انتظار ما سيحدث فيها، وحتماً كما تشير التصريحات التصاعديّة التصعيديّة، سيتفرّغ للبنان، وربّما قطر كخيارٍ ثانٍ.

يا تُرى كيف سيكون هذا التفرّغ “البنسلماني” للقضاء على حزب الله، فالتجربة العسكريّة الحازمة ضد اليمن، باءت بالفشل، والقضاء على جماعة الحوثي الأقل قوّة من حزب المُقاومة اللبناني، ونحن نتحدّث عن عاصفة حزم جويّة ضد لبنان، ولا بد لنا أن نتذكّر حال الطيران الإسرائيلي، وحاله في حرب ال 2006.

هل سيعتمد بن سلمان على قوّات مصريّة أو أردنيّة، يتم إرسالها لمُحاربة حزب الله مثلاً، والمُتمرّس بحرب الشوارع، الرئيس عبد الفتاح السيسي حليف القيادة الحاليّة صرّح بأنه لا يُريد اتخاذ إجراءات ضد حزب الله، والأردن يبدو غامضاً، ولم يصدر عنه تصريحات واضحة وصريحة حول استقالة الحريري، كما أنه عبّر عن دعمه للبنان، فهل بقي بن سلمان وحيداً، شأنه شأن تحالفه ضد اليمن، والذي أعلن أسماء الدول المُشاركة فيه دون علمها، أم أن العلاقة الوطيدة التي تجمعه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تضمن له تحقيق مُعجزة، يعلم تفاصيلها هو وحده.

الحرب لا تُقرع طُبولها فيما يبدو ظاهرياً، لكن السعوديّة تُصر على قرعها، وتهويلها، بالرغم أن المُؤشّرات توحي بأنها وحيدة، والدخول في حرب مع حزب هزم إسرائيل، ليست بالأمر الهين، إذاً هل تقتصر طُبول الحرب السعوديّة، على تهويل قد يصل أقصاه، إلى حصارٍ اقتصادي، وربّما حرب إلكترونيّة تشل جميع أجهزة الدولة اللبنانيّة، وربّما حزب الله، فكما نعلم تمتلك المملكة النفطيّة، جيشاً قويّاً، أقصد جيشاً إلكترونيّاً قويّاً، ربّما يُضعف حزب الله افتراضيّاً!
*كاتب وصحافي فلسطيني
رأي اليوم

حول الموقع

سام برس