بقلم/ احمد الشاوش
تظل أصوات بائعي الصحف والمجلات في اليمن يتردد صداها في اذن كل قارئ وباحث في الزمن الجميل ، بعناوينها العريضة وصورها المثيرة وخطوطها الجميلة ومقالاتها المفيدة وتقاريرها الشهيرة لا تغادر ذاكرة القارئ ، رغم إختلاف مشاربها الفكرية والثقافية والسياسية.

نتذكر أصوات وايقاعات باعة الصحف والمجلات في كل جولة وشارع ومؤسسة ومعلم للفت انتباه القارئ بالاصدارات الجديدة واشباع رغباته بجرعة متنوعة من الاخبار اليومية والاسبوعية والشهرية من خلال عمليات البيع والشراء وترديد كلمات الثورة ..الجمهورية..الوحدة.. الرياضة .. الرأي العام .. صوت العمال .. الايام .. 26 سبتمبر .. 14 أكتوبر .. الميثاق.. الاولى .. الشارع .. البلاغ .. المرأة .. الشورى .. أضواء اليمن .. معين ..الجيش.. الحارس وغيرها من الصحف والمجلات التي كان لها صدى في صنعاء وتعز وإب والحديدة وعدن ومأرب ..

تسمع في الصباح الباكر أصوات الشباب والعمال وطلبة المدارس في الاجازة الصيفية تحمل أيديهم عشرات الصحف والمجلات منتشرين كخلية النحل في كل مكان وتصدح حناجرهم مرددة إسماء وعناوين الصحف والاخبار المثيرة ومتابعة كل حدث للحصول على أرزاقهم وتسويق سياسة الحكومة ورؤى الاحزاب من خلال المنافسة وتنوير الرأي العام اليمني.

لقد ساهمت مرحلة الثمانينات والتسعينات في خلق بيئة ناضجة ونقلة نوعية في العمل الصحفي وتوجيه وتنوير الرأي العام اليمني من خلال التنافس الكبير بين الصحف الحكومية والاهلية والحزبية بصورة عكست عملية التحول الديموقراطي ومناخ الحرية الذي أسهم في طباعة عشرات الاصدارات الصحفية وازدهارها لاسيما في التسعينات رغم تجاوز بعضها اخلاقيات المهنة.

وما يلفت النظر الى ان الفارق بين الامس واليوم كالفارق بين السماء والارض ، فالماضي القريب كان عنواناً للعلم والجمال وقيم التسامح والتعايش والحوار والنقاش والفكر والثقافة والعمل والبناء والتنمية والتعمير والتنافس رغم بعض المعوقات ..

بينما اليوم تم تغييب كل شيء جميل حيث صار القبح بديلاً عن الجمال وحل الجهل مكان العلم والجمود بديلاً عن الابداع والمتارس محل المدارس والفشل مقام النجاح والتشائم محل الامل والمستقبل والمساواة والعدالة في خبر كان .

وواقع الحال ان تلك المرحلة انتجت أجيال تسلحت بالوعي والعلم والمعرفة والمدنية ، وخصصوا مساحة كبيرة من أوقاتهم في خدمة وطنهم وقراءة الكتب والصحف والمجلات ومتابعة كل جديد ومفيد بعيداً عن خزعبلات التاريخ والتشدد والتطرف والاحزمة الناسفة وصناعة الكراهية.

كان لدينا دولة ومؤسسات ودستور وقوانين ومنجزات وبطاقة هوية وجواز سفر ابن ناس وجيش وطني لحماية البلاد والعباد وهيبة واحترام ونوادي ومنتخبات وطنية متألقة واحزاب وادباء وشعراء وصحافة واعلام ومثقفين وعباقرة وصحف ومجلات ومدارس وجامعات وكُتب مدرسية مجانية وموظفين ومرتبات واجور أضافية ومكافآت وحقوق وواجبات ورغم كل ذلك كان لسان حال المزايدين والدجالين واعشار المثقفين والعملاء والخونة يقولون زوراً " دولة فاشلة".

بينما اليمن الجديد المشوه المولود في أجنحة وغرف فندق موفنبيك وحضانة السفارة الامريكية بصنعاء اليوم بجهاته الاربع أصبح دولة نموذجية في التضليل والفشل والتمزيق وصناعة الجوع والفقر والنفاق والبيع والشراء والتبعية بإجماع الفقهاء والسفهاءإلا ماندر!!؟.

وعلى الريق أو مع فنجان قهوة الصباح وفي مجالس القات يتصفح القارئ الكريم صحيفة الثورة بملحقها اليومي وصفحاتها المكون من 32 صفحة او 64 صفحة بقراءة ايقاعات العصر للكاتب الكبير محمد ردمان الزرقة ، وكلمة الثورة للاستاذ على ناجي الرعوي والاستاذ ياسين المسعودي ، ويوميات الثورة للدكتور عبدالعزيز المقالح والاستاذ عبدالكريم الخميسي واحمد حسين المروني ومطهر الاشموري وعبدالله الصعفاني ومعاذ الخميسي وحسين العواضي وآخرين.

والقارئ والمتابع يسلط العين على عمود لحظة يازمن للكاتب الكبير محمد المساح ، وعمود وتحليلات عميد الصحافة الاستاذ عبدالحليم سيف الذي صقل مواهب الكثير من الصحفيين بمؤسسة الثورة للصحافة.

ويطل القارئ الكريم أيضاً على واحة كبيرة من الاعمدة والاخبار والتحليلات والتقارير السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمقالات وكاريكاتير محمد الشيباني ، وعمود مصطفى العبسي ، وعبدالتواب سيف ، وعمود في الشارع يقولون للصحفي عبدالوهاب الروحاني ، والاستاذ عبدالرحمن بجاش ، ومحمد الزبيدي ، واحمد اسماعيل الاكوع ، وناجي الحرازي ومحمد عبدالماجد العريقي ، وابراهيم المعلمي وعبدالله الشهاري واحمد العزعزي ومحمد العصار وعبدالله سعد محمد ، وعلي الاشموري وعبدالواسع الحمدي وعبدالعزيز الهياجم ومهيوب الكمالي وسليمان عبدالجبار ونبيل نعمان ومحمد قائد العزيزي وعلي البشيري وعارف الاتام ومحمد الجرموزي وجمال فاضل وعلي الشرجي ومحمد القعود وتوفيق الحرازي وجميل مفرح وعلي ربيع وصالح البيضاني وآخرين من نجوم الصحافة.

وبثقة ومعنويات كبيرة تتواصل مسيرة طبع صحيفة الثورة والوحدة والرياضة ومجلة معين على مدار الـ 24 ساعة ، من خلال العمل المنظم والسهر الى آخر الليل ، بدءاً بمراجعة المواد واجازتها وجمعها وعمليةالتصحيح ووضع العناوين والاخراج والتصوير والبدء بعملية الطباعة وتحرك سيارات التوزيع لايصال الصحيفة الاولى في البلد الى الاكشاك والمكتبات والمشتركين والموزعين بالجولات وارسال كمية من الثورة الى الدول الاقليمية عبر طائرة اليمنية.. كما تتم طباعة عشرات الصحف الحزبية والاهلية.

كانت مؤسسة الثورة للصحافة والنشر تزخر بالكفاءات في مجال التوزيع امثال عبدالله الرويشان ومحمد مثنى وفوزي القحم وعبدالكريم الحلالي واحمد السماك ومحمد جبارة وعلي حسن الصغير وغيلان بادي ومحمد احمد الفائق وآخرين.

وكان لدينا كفاءات في ادارة الاعلانات أمثال اسماعيل سيف وصالح القباطي واحمد الشاوش ، وعمار القحم وفي القسم الفني احمد منصر وعبدالسلام منصر وعلي اليفرسي ومحمد رضوان وقبلهم الخطاط احمد الاشول وجحاف وفي المبيعات عبدالرحمن الشامي وجلال عبدالرافع وعبدالحليم مقبل ومحمد مسعود وعلي الكحلاني وعبده الحنشلي وحمدي البدوي ومحمود الابارة وخالد السودي وخالد النواري ، وفي ادارة الكبيوتر والاخراج سليمان الظاهري ومطهر المحاقري واحمد الجعمان واحمد الفرح وعلي الجرموزي وعبدالواحد البحري وفي التصوير يحي الوزيزية واحمد الحضوري وحامد مياس وآخرين وفي الطباعة محمد الشامي وعبدالسلام هاشم وحسن عفري وحسين فرج ويحي سعد الدين ومحمد النزيلي وآخرين وغيرهم..

وكان للصحافة العربية تواجد وسوق كبير في اليمن من خلال تسويق مجلة العربي الكويتية والمجلات المصرية آخر ساعة وروز اليوسف والمصور وأكتوبر ، والمجلات اللبنانية مثل الشبكة والموعد وجريدة الحياة والشرق الاوسط ومجلة المجلة السعودية والحوادث والمحرر والوطن العربي وبي بي سي والمشاهد والشاهد والدوحة والفيصل والاهرام وشيحان ومجلة سيدتي والجميلة والوعي الاسلامي ومجلة الكويت والثقافية والصقر الرياضية ومجلة نزوى العمانية ، وكتاب الامة والمستقبل العربي التي كان لها صدى ووقع لدى القارئ والمثقف اليمني والعربي..

أخيراً .. مرحلة الثمانينات والتسعينات تعتبر أحدى مراحل الوعي الوطني والثقافة القومية ومنبراً للصحافة وساحة للاعلام وميدان للحرية والتحرر والتنوع الفكري والحزبي وثمرة من ثمار الديمقراطية وأحترام الرأي والرأي الآخر.

ورغم وجود بعض السلبيات ومقص الرقيب الا ان الصحف الرسمية وفي طليعتها صحيفة الثورة كانت تتناول قضايا أجتماعية حساسة عن الفساد وتنتقد الكثير من المسؤولين بكل شفافية لوقف العبث وتجاوز الاخطاء بمايعكس ان ما يسمى الدولة الفاشلة زوراً كانت تعطي مساحة لنقد الذات من أجل اصلاح وتجاوز الاخطاء بينما اليوم لم تعد الثورة ثورة والجمهورية جمهورية ولايدري المواطن على أي دستور وقانون ودين ومذهب وهوية وثقافة وربان وسفينة نبحر نحو شاطئ الامان .. فهل من رجل رشيد؟.

حول الموقع

سام برس