بقلم/ محمد صلاح
تبقى السينما المصرية بتراثها القديم وزخمها وتنوع إنتاجها على مر العصور، معبّرة عن أحوال مصر في مراحل مختلفة، ويكاد المشاهد العربي يحفظ بعض العبارات والمشاهد التي تحوّلت "بمرور الزمن" فولكلوراً تُستخدم مفرداته أحياناً للتعبير عن موقف ما أو للسخرية من تصرف محدد أو للإشارة الى شخص بعينه، فيكفي في حوار بعضهم أن يقول أحدهم : حنفي "حاتنزل المرة دي"، لتتذكر المشاهد الشهيرة للممثل عبد الفتاح القصري في فيلم "ابن حميدو" وأنت تقصد شخصاً بعينه لا يمكن الوثوق بكلامه أو وعوده أو تعهداته، إذ في كل مرة اعتاد أن يتراجع عنها.

ربما لجأ بعض المصريين الفارين خارج البلاد، ممن تحالفوا مع تنظيم "الإخوان المسلمين" الإرهابي الى محاكاة ذلك المشهد، فلا يكاد يمر شهر من دون أن يطرح أحدهم أو عدد منهم مبادرة تتعلق بالمشهد المصري بعد رحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الحكم. وبالتنسيق مع "الإخوان" أو من دونهم يتم ترويج الفكرة وتجييش اللجان الإلكترونية لتسويقها والإيحاء في أن الأمر بات قريباً، وبعد أن يمر الوقت من دون أن تلقى المبادرة من ردود فعل المصريين سوى السخرية، لتبدأ منصات "الإخوان" أو مواقع صاحب المبادرة، في شتم المصريين أنفسهم لأنهم رفضوا الفكرة وسخروا منها وهاجموا صاحبها.

هناك انتخابات رئاسية في مصر العام المقبل. صحيح أن السيسي لم يتحدث عنها أو يكشف نواياه تجاهها إلا أن أفكاره التي يعبّر عنها في مؤتمرات أو حوارات أو كلامه في افتتاح المشاريع يرجح أنه حسم أمره مبكراً ونوى الترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية المقبلة. صحيح أن المسألة طبيعية، خصوصاً في ظل الشعبية التي يحظى بها السيسي، رغم تآكلها بفعل الضغوط الاقتصادية، لكن مجرد حديثه عن مستقبل مصر يفترض أن يضع منافسيه أمام مسؤوليات وتحديات وخيارات صعبة.

لكن عند البحث عن أسباب حملة يتبناها أحدهم، حين كان يقيم خارج مصر قبل أن تسمح له السلطات بالعودة، تكتشف أن شركته الهندسية كانت نافست شركات أخرى على الفوز بتنفيذ مشاريع جرى تنفيذها ولم يفز بالعطاء الذي رسا على شركة أخرى. من يومها والرجل لا يكف عن التحدث عن أن مصر "رايحة في داهية"، وأن المشاريع العملاقة والكبرى ستفشل، وأن النجاحات والسياسات الخارجية مجرد أوهام وأن لا مستقبل لمصر، وأن على السيسي أن يرحل! صاحبنا كان له دور في إمداد ثورجية ميدان التحرير في كانون الثاني (يناير) 2011 ببعض مستلزمات الثورة كالبطاطين والخيم والسندوتشات ولوازم "ترويق" العقول كالشاي ومشروبات أخرى والشيشة والسجائر، حتى لا ينشغل الثوار أثناء الثورة بأمور كتلك، ورغم أن الرجل يفترض أنه ناصري معادٍ للإسلاميين، إلا أن ظروف التحالفات المرحلية وضعته في خندق واحد مع "الإخوان" ضمن التحالف الذي يضم أيضاً فارين آخرين خارج البلاد بعضهم من أصحاب مشاريع حقوق الإنسان، إضافة إلى بعض محبي الرئيس الأسبق حسني مبارك ممن لم يرضهم بعض عبارات نطق بها السيسي، وفُهم منها أنه يُحمِّل مبارك المسؤولية عن اهتراء الدولة وضعفها وانهيار اقتصادها، وكذلك بعض الذين أيدوا السيسي نفسه ثم انقلبوا عليه بعدما ظهر أنه لم يمنح أحداً منهم أية مكافأة بمنصب أو موقع تنفيذي أو مكانة، أو تصور أن تأييده للسيسي في البداية سيمنح شركاته مزايا تحقق له نفوذاً أو تضمن لـ"البيزنس" الذي يقوم عليه مزيداً من الأرباح والمكاسب.

هكذا تبدو التناقضات تعصف بالتحالف من أساسه، كما حدث مراراً، وبعيداً من الهدف المشترك الذي يلتف حوله التحالف لإسقاط السيسي، فإن الصراعات تضرب المتحالفين عند كل محك، ويبقى أن كل أطرافه، باستثناء "الإخوان"، لا تملك أي ذخيرة شعبية سوى ميزة تنظيم مظاهر الاحتجاج، أو الحديث إلى الفضائيات والسهر طوال الليل في أحضان مواقع التواصل الاجتماعي. ويكفي الإشارة هنا إلى أن الجمعية العمومية لحزب الدستور الذي أسسه الدكتور محمد البرادعي، وهو الحزب صاحب المواقف الحادة ضد السيسي، لا يصل عدد أعضائها إلى رقم الألف من بين أكثر من مئة مليون نسمة يتوزعون في مصر من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، فما بالك بأحزاب وقوى سياسية أخرى عالية الصوت حادة المواقف خالية الحضور!

عموماً أحسن الحكم في مصر بالسماح لكل من لم تتلوث يداه بالدماء أو تورط في أعمال الإرهاب بالعودة الى البلاد، وإذا كانت هناك قوى لا تزال تتحرك من الخارج ومعهم "الإخوان" يروجون لانخفاض شعبية السيسي في الشارع، فالثابت أنه لا يوجد إحصاء دقيق أو أبحاث علمية يمكن الاعتماد عليها بشكل موثق لقياس اتجاهات الرأي العام في مصر نحو الرجل، لكن تكفي الإشارة هنا إلى فشل كل الدعوات التي تبنتها جماعة "الإخوان" والمتحالفون معها للثورة والإضراب والاعتصام، ما يشير إلى أن السيسي لا يزال يحظى بشعبية لا يمكن إخفاؤها، وحتى موعد الانتخابات المقبلة يستطيع الناس من الآن توقع الخطاب السياسي والإعلامي لـ"الإخوان" وحلفائهم والمشاكل والأزمات التي سيتم افتعالها لمحاولة الإيحاء في أن الانتخابات "مطبوخة" وأن لا مجال لأي مرشح أن يحصل على فرص متساوية مع السيسي لينافسه. أما هؤلاء الذين "أدمنوا" المطالبة، كل فترة، بانتخابات مبكرة فإنهم أثناء الانتخابات الرئاسية المقبلة سينتظرون حتى تنتهي ثم يبدأون حملتهم من جديد للمطالبة بانتخابات مبكرة أخرى... وهكذا دواليك!

نقلاً عن النهار

حول الموقع

سام برس